IMLebanon

تأجيل التسليم بالفشل لن يُنقذهم

 

من النادر جداً ان تصل المعادلات السياسية الى الحتمية، لان الثابت الوحيد في العمل السياسي هو التغيير المُتحرِّك دائماً، ولذلك تسعى الاطراف السياسية، المأزومة في مرحلةٍ ما، الى ربح الوقت، بإنتظار المتغيّرات التي قد تُخرجها من المرحلة المُعاكسة لحساباتها لتُقدِّم لها ظروفاً جديدة تُساعدها على قلب الاوضاع لصالحها.

 

إن هذه النظرية الصائبة الى حدٍ كبير في العمل السياسي المُتحرِّك قد اسقطتها منظومة الحكم الحالية في لبنان، بفِعل فشلها الصاعق والفريد من نوعه، فأفقدت نفسها كل مقومات النهوض وإحتمالات الانقاذ لافرقائها وشخصياتها، وانهت بذلك اي مجالٍ للعودة بمشروعها الى الحياة والفعالية.

 

وللموضوعية وللابتعاد عن التمنّيات في السياسة، فإن إثبات هذا الواقع لبنانياً يتكوّن بمراجعة الاحداث والحقائق الماضية ومقارنتها مع التموضعات الحالية. فالفشل الهائل لافرقاء المنظومة لا يحمل اوجه نظر، ولا يسمح لهم بانتهاز اي فرصة لتبرئة ذمّتهم، وأكبر دليل على ذلك هو الشعور الشعبي العفوي الرافض لحججهم، والمُنتظر بأحرّ من الجمر، لفرقعتهم. وهذا الشعور، وإن كان غير مرتبط بالمفاهيم والحسابات والقراءات السياسية، ولكنه ردّة فعل طبيعية ناجمة من المعاناة والمآسي التي يعيشها الشعب وتعكس حقيقة الاوضاع الوطنية، وهو الكفيل بإبقاء المنظومة محشورةً في زاوية الاتهام، ولن يُفيدها الترقيع والادّعاء بالتغيير وخردقة المجموعات المعارضة الشعبية بأبواقها الوقحة. فمهما تشاطرت اجهزة المنظومة واستأجرت خبراء في الدعاية الكاذبة فلن تُفلح بمسح صفة الخداع التي لازمتها، لانها اعتنقتها بجدارةٍ، واصابت بفيروسها الاتزان والحكمة والموضوعية لدى قسم كبير جداً من الشعب اللبناني على مدى اكثر من ثلاثين سنة، واستخدمت خدعة الخلط بين الشعارات الرنّانة الفارغة والكلام المسؤول الجدّي، وشوّهت صورة الحكّام الحقيقيين، بعد كل ذلك التلاعب بعقول الناس لم يعد لها اي امل بتبييض صورتها.

 

إن المسؤول الذي احبّه الشعب، وهو صاحب القول الشهير الذي كسِب بفضله تأييد الناس “إنّ تولّي الميليشيات مهام الامور مهما إدّعت الانضباط لا يسعها في اي حال ان تكون البديل عن الامن الشرعي” والذي ورد ايضاً في شرعة تأسيس تياره البند التالي “بعد الانسحاب الاسرائيلي تلاشت مشروعية العمل المُسلّح لـ”حزب الله” وليتحوّل من بعدها غطاء رسمياً لهذا السلاح ولهذا العمل المُسلّح، ويُساهم بتدمير مؤسسات واقتصاد بلده وسيادته، لن يستطيع نيل ثقة الناس الذين خدعهم مرّةً ثانية ليُنقذ نفسه من المُحاسبة”.

 

الطريق الوحيد لهذه المجموعة هي التسليم بالانتقال من جبهة السيادة الى جبهة العمالة، وما الحماية التي حصلت عليها وتختبئ خلفها الآن إلا البرهان الدامغ للتبعية، والشيء الوحيد الذي حافظت عليه زحفاً، هو لقب “باشا” بما تعنيه هذه العبارة من زمن السلاطين. هذه الحماية كما سقطت دائماً في التاريخ عن المتعاملين فلن تدوم الآن، فهي زائلة ووهمية، ولذلك فالبراءة مستحيلة، والتسليم بالفشل مؤكَّد وقريب. جلّ ما في الامر ان التأجيل يُطوّل عذابات الناس ويُصعّبها، ويُكبِّر الاثمان ويُعظِّم الدمار الوطني، وإنّ لحظة الخلاص منهم يُغطّيها صخب وغبار الثيران الهائجة التي اخافها الشعب اللبناني بآلامه، واحرار لبنان العُزّل بعنادهم، هؤلاء الذين اضاؤوا سابقاً آخر النفق الاحتلالي الذي دام من اوائل تسعينات القرن الماضي حتى سنة 2005، حينها لم يُدرك الحاكم بقرب نهايته. ومُجدّداً وكما كل المنظومات، فالسلطة الحالية ليست إلا الغبار لثيران المنطقة الذين يُعيثُون الدمار اينما حلّوا. فالمنظومة لن تُنقذ نفسها بالرغم من كل زيارات الدعم من راعيها، ومحاولاتهم لاسقاط منظومتهم الفكرية على الواقع اللبناني لن تُسعفهم، وفقط التسليم بفشلهم والتسليم بواقع الشعب اللبناني هو الذي سيُنقذ لبنان.

 

“ويلٌ لامةٍ مغلوبةٍ تحسب القبيح فيهم جمالاً”. قالها جبران خليل جبران عن لبنان لانه ادرك ان شعبه لن يخذله.