باسیل في طرابلس: غیاب الدور لقیادات الفیحاء
دخل جبران باسیل مدینة طرابلس یرافقه 3000 آلاف عسكري وأكثر من 150 آلیة للجیش اللبناني، لیس خوفاً من حوادث أمنیة، وإنما إستعراض لوهم القوة التي یوفرها له الحرس الجمهوري بغیر حق.. لیجد في إستقباله قرابة الخمسین محازباً، أضاف إلیهم في قاعة معرض رشید كرامي الدولي 50 من أنصاره رافقوه من المتن وزغرتا وعكار و100 مرافق وبضعة عشر صحافیاً.. تنصّل كل ساسة طرابلس، حلفاء وأخصاماً من إستقبال نابش القبور المتجوّل، فتهرّب منه الأقربون مثل النائب فیصل كرامي، وتوارى من تسرّع للترحیب به، فإختفى الوزیر السابق محمد الصفدي عن شاشة الرادار السیاسي، وغاب المتحفظون والمحذرون، وأبرزهم الرئیس نجیب میقاتي والنائب سمیر الجسر، واصل الوزیر السابق أشرف ریفي هجومه (التویتري) على باسیل بدون أن یصل إلى المبادرة الفعلیة، بینما قصف ولید جنبلاط بمدفعیته السیاسیة بعیدة المدى مواقع إنتشار باسیل في الفیحاء، متحدثاً عن أولویاتها وأثر التیارات السیاسیة العبثیة علیها..
باسیل ماضٍ في التحریض
ما أصبح واضحاً الآن بعد «إقتحام» باسیل الفاشل لطرابلس، هو أنه لن یكفّ عن سیاسة نبش القبور وإیقاظ الأحقاد وشق الوحدة الوطنیة والإجتماعیة، وهو ما فعله تماماً لحظة دخوله إلى طرابلس، عندما فتح ملف إغتیال الرئیس الراحل المرحوم رشید كرامي لیحرّض منه على القوات اللبنانیة، معیداً التذكیر بالحواجز وبصفحات الحرب الألیمة. والسؤال هنا: ألیس لدى باسیل ما یمكن الحدیث عنه سوى نبش صفحات الحرب ؟ ألا یملك خطاباً بدیلاً للسلام والإستقرار والتعاون وبناء الوطن؟ كیف یستقیم كل هذا الفعل العنصري مع شعار الإصلاح والتغییر، بینما حقیقة ما یحصل لیس سوى تخریب تدریجي متواصل لمؤسسات الدولة.
«المسلمون العونیون»: خدعة ورقیة
إن حدیث باسیل عن وجود 5 آلاف منتسب مسلم إلى صفوف تیاره لیس أكثر من خدعة ورقیّة تعرّیها وتكشفها جولات باسیل في المناطق ذات الأغلبیة المسلمة. فأین هم هؤلاء الآلاف الخمسة ولماذا لم یظهروا في جولاته ؟ فهو قد حطّ الرحال في بعلبك لیجد في إستقباله من إتهمه بأنه الوزیر الأكثر طائفیة في لبنان، وحلّ في الجبل، فحلّت معه مصیبة الفتنة وسقوط الضحایا وإسالة الدماء، وهو دخل طرابلس (عاصمة السنة) كما یسمیها البعض، فلم یجد معه سوى مجهولي الإنتماء والهویة السیاسیة.. وهو وصل إلى عكار فلم یكن الوضع أحسن حالاً، رغم كل ما یمتلكه باسیل من قدراتٍ مالیة وسیاسیة ونفوذٍ وسلطة، وهذا مؤشرٌ على فشل سیاساته تجاه المسلمین وسقوط إدعائه بأنه التیار السني أو الشیعي الثالث..
كیف یضرب باسیل مصالح طرابلس
إضافة إلى الممارسة الخطرة التي یتمسك بها باسیل، وهي تعطیل صدور مراسیم الناجحین في مباریات الخدمة المدنیة، ومنهم أعداد من أبناء طرابلس المتقدمین لوظائف في مؤسسة میاه لبنان الشمالي وغیرها، فإن حدیث وزیر الخارجیة عن حمایة مصالح الفیحاء، دفعت السید توفیق سلطان إلى التصدي لهذا الزعم بجملة وقائع أوردها في مؤتمر صحافي خصّصه للرد على باسیل، نورد أبرز ما جاء فیه من تفنید لهذا الإدعاء.
ذكّر سلطان أن باسیل حضر قبیل الانتخابات بمعیة الرئیس سعد الحریري ووزیر الطاقة ورئیس مجلس ادارة كهرباء لبنان وكهرباء قادیشا لتدشین محوّل كهربائي استُملكت أرضه في عهد الشهید رفیق الحریري یوم كان المهندس مهیب عیتاني رئیسَ مجلس ادارة كهرباء لبنان، فأین دور الوزیر باسیل وحزبه في ذلك.. هل لأنه حضر حفل التدشین أصبح صاحب منّة؟؟ وتابع سلطان أن باسیل وضع في المحافظة قاضیاً حوّل مركز الدولة الى مكتبٍ لتیاره وألحق به مستشاراً وواكبه (باسیل) في جولاته الانتخابیة وارتكب من المعاصي والمخالفات ما یندى له الجبین.. وإمتد باسیل إلى كهرباء قادیشا فعیّن جماعته من البترون وشكا والكورة بما یقارب أكثر من 60 شخصاُ منهم عسكري متقاعد وهو شرطي في بلدیة البترون (عینه) في كهرباء قادیشا.
أما عن مصفاة طرابلس المتوقفة عن العمل منذ أكثر من أربعة عقود إلا من بضع خزانات، فلفت سلطان إلى أنه یوجد فیها 500 موظف لو كانوا (هؤلاء الموظفین) في ال 24 من عمرهم یوم أغلقت المصفاة لكانوا الیوم أحیلوا على التقاعد.. علماً أن تعویض نهایة الخدمة لبعض كبار الموظفین تتجاوز الملیون دولار ولیس هناك من حسیب ولا رقیب. (راجع تفاصيل المؤتمر في مكان آخر من الصفحة)
المشهد السیاسي بعد عبور باسیل
أثبتت الوقائع صلابة أهل طرابلس وقدرتهم العمیقة على رفض الظواهر الخارجة عن المسار الوطني، وأن قیادات المدینة متأخرة عن أهلها مسافات شاسعة في التصدي للتحدیات، وهم یسألون، كیف یمكن مثلاً السكوت طیلة هذه المدة على تجمید مشروع نور الفیحاء، وعلى ضرب مصالح أبناء المدینة في الإدارات والمشاریع، وكیف تنامُ لقیاداتِ طرابلسَ عینٌ وهم یعلمون أن باسیل یجمّدهم في ثلاجة الإبتزاز السیاسي، وهذا مؤشر ستزداد خطورته مع تعاظم خطر سیاسات باسیل المتوقعة، وستكون له آثاره على مكانة هذه القیادات لدى أبناء طرابلس وعلى موقع المدینة ومستقبلها.
أخیراً، فإن المسار الذي یسلكه باسیل هو مسارٌ طائفيّ بعید عن الطائف والدستور، وسیحاول، بالتعاون مع حلیفه «حزب لله»، أن یغیّر لبنان على شاكلة مشروعه الأقلوي، وهذا ستكون له تداعیات تحیق بالرئیس سعد الحریري ویتصدّى لها ولید جنبلاط وینتظرها سمیر جعجع ویصطلي بنارها كل لبنان، فهل سیجد من یتصدى له أم ستسقطُ قلاعُ الطائف قلعة بعد أخرى وموقعاً بعد موقع؟!