بين المزاح والجد، طالب وفد من الأقليات المسيحية خلال زيارة له الى رئيس مجلس النواب نبيه بري بإعطائه لافتة «المحرومين» لكونها تختصر معاناتهم مع النظام السياسي من كل النواحي. فشعور «الحرمان» هو المرض الذي تعاني منه هذه الشريحة المسيحية منذ الاستقلال إلى اليوم. وفي «مهرجان» التأليف الحكومي المتواصل في هذه الأيام، تزيد «العوارض» ويصبح «المطلب التاريخي» و «الشكوى المزمنة» هي الشغل الشاغل لفئة قدّمت شهداء على مذبح الوطن منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان وقررت ألا تكتفي بعد اليوم بالفتات على موائد الكبار. فالتشكيلات الحكومية المسرّبة، يكاد يسقط منها «سهواً» اسم الوزير الذي يمثل الأقليات. ناهيك بالخشية، لدى أهل الأقليات من أن يتمّ إسقاط الاسم بالمظلة على التشكيلة الحكومية فلا يكون لا من رحم نضالها ولا من أهلها، اللهم إلا في الهوية.
تضم الأقليات المسيحية ست طوائف هي: السريان الارثوذكس، السريان الكاثوليك، اللاتين، الكلدان، الاشوريون والأقباط، وهي آخر طائفة أضيفت في العام 1996.
ربّما هي «الصدفة» أتت باللاتيني نبيل دو فريج كوزير عن الأقليات في حكومة تمام سلام. كان توزيره سابقة لم تحصل منذ الاستقلال. امتطى طويلاً حصان «تيار المستقبل»، ففاز بالجائزة التي حُرم منها كل تلك السنوات الاشوريون والكلدان والسريان الذين يشكلون بشقيهما الارثوذكسي والكاثوليكي، ثقلاً وازناً بين الأقليات المسيحية في لبنان مع تسجيل «الدينامية الأكبر» في رصيد السريان الارثوذكس بلا منازع.
وعندما سئل نبيل دوفريج في العام 2000 عن الغبن اللاحق بالأقليات، أجاب بأنه «اصطدم بعقلية راسخة عند الرؤساء المتعاقبين مفادها أن توزير أرمني أو انجيلي هو بمثابة تمثيل للأقليات في حين أن هاتين الطائفتين ليستا من طوائف الأقليات في المجلس النيابي». في الحقيقة، هذا ما يبدو من صميم الواقع الذي تبدّى مع إسناد حقيبتين الى الوزيرين الانجيليين باسل فليحان وسامي حداد على اعتبار أنها «حصة الأقليات»؛ وهذا غير منصف.
في زمن الاستحقاقات، تكثف قيادات الأقليات اجتماعاتها وتصدر بيانات تؤكد فيها أن «زمن إنصاف طوائف الأقليات المسيحية قد حان بعد طول حرمان بدءاً من تمثيل صحيح في مجلس النواب على قاعدة أن هذا حق لن نتنازل عنه ولن نقبل مطلقاً بأن نُحرم منه وليس منّة من أحد بل حق وواجب».
تتلخّص مطالب الأقليات المسيحية في ثلاثة: مقعد وزاري ثابت، زيادة عدد نوابهم إلى 3 موزّعين في بيروت (الأشرفية) والمتن وزحلة ومنحهم حضوراً حقيقياً في الإدارة. ولعل المطلب الأساس والشامل يتعلق بـ «اختيار ممثليهم سواء للنيابة أو الوزارة من رحم نضالاتهم ورابطاتهم وليس من المستولدين في كنف الآخرين».. «وإلا ـ تقول أوساط الأقليات ـ نكون قد بقينا مكاننا. فنحن مثلاً لا رأي لنا في نوابنا، حيث يأتي في بيروت بأصوات السنة».
تتغنّى الأقليات بكفاءاتها في مختلف المجالات وتقف مذهولة أمام إقصائها غير المفهوم. ثمة مَن يرى أن «المشكلة تكمن لدى الجانب المسيحي وليس المسلم، على اعتبار أن هناك نوعاً من الاتفاق الضمني بين المسيحيين بوجود كوتا تقضي بأن يوازي عدد مقاعد الموارنة عدد بقية الطوائف المسيحية. وهذا يعني لو أضفنا مقعداً أو أكثر للأقليات، علينا إضافة مقعد في المقابل أو أكثر للموارنة ما يوجب التصرّف كمسيحيين وليس كأبناء مذاهب». في المقابل، هناك مَن يؤكد أن «المعضلة تكمن في النظام السياسي بحدّ ذاته، وفي أهمية التواصل مع أبناء هذه الطائفة أو تلك وليس الاستعاضة عنهم بـ«متسلّقين» من هنا وهناك وهؤلاء موجودون في الطوائف كلها».
المفارقة العجيبة التي ترافق مسألة توزير الأقليات المسيحية تتعلّق بالتالي: يحسب للأقليات مقعد وزاري في حكومة 24 وزيراً (علماً أن هذا لم يتحوّل بعد عرفاً، وهو قابل بالتالي لأن يتبخّر)، ويحرم منها في الحكومات الثلاثينية إرضاء للأرمن الارثوذكس أو الطاشناق. وبرغم كل هذه المعطيات لواقعها المظلم، تعوّل الأقليات المسيحية كثيراً على العهد الجديد بأنه سينصفها. تضع كل أملها في الرئيس العماد ميشال عون الذي تعتبره «كامل الأوصاف لبنانياً ومسيحياً ومشرقياً». في سياق هذه الروحية، أتت زيارة بطريرك السريان الارثوذكس أفرام الثاني مطلع الأسبوع الحالي الى بعبدا. فهل تنال الأقليات فرصتها في ظل الصراع الشرس الحاصل على الحقائب و «أقمشتها» السيادية والوازنة والعادية؟