الجهود والمداخلات الهامة التي بذلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لإصلاح الأوضاع المهترئة التي يمر بها لبنان في هذه الايام العصيبة، معطوفة على التجاوب غير المسبوق في شموليته لمداخلة دولة أجنبية ذات تاريخ مرتبط بنشأة لبنان الكبير بمشيئة فرنسية- لبنانية، تطورت مع مر السنين إلى درجة وصلت إلى حدود عميقة الجذور، ووثيقة العلاقات الثقافية والسياسية المتطورة وتجلى ذلك خاصة خلال المرحلة التي ترأس فيها حكومة هذا البلد، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتجلت ردات الفعل على عمق هذه العلاقة بعد عملية الإغتيال الأثيمة التي طاولت الرئيس الشهيد وأسفرت عن قيام محكمة دولية كان للرئاسات الفرنسية آنذاك دور كبير في إقرارها وتنفيذها.
الرئيس ماكرون يعاود كرّة انقاذية عميقة الجذور، بعيدة المدى، بتعاون ملحوظ مع المجتمع الدولي وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية، حيث يشهد لبنان تعاقبا للمسؤولين الفرنسيين والأميركيين على زيارات عملانية للساحة اللبنانية تفوح منها روائح الضغط وتهديد المنظومة الحاكمة بأشد العقوبات على ما ترتكبه بمعظم فئاتها وجهاتها من أعمال تخرج عن إطارات الدستور والقانون وتدخل عميقا في مجالات السرقة العامة وايصال البلاد والعباد إلى حال الإفلاس، فضلا عما تسببت به من إيصالها إلى مرحلة المجزرة غير المسبوقة في حجمها وهولها واتساع مدى الخراب والدمار الذي سببته لمدينة بيروت ومرفئها بكل امتداداته الإقتصادية والمعنوية، ولترابطه التاريخي بهذه المدينة العظمى التي تشكلت منها بيروت، عاصمة تجارية وإنسانية وفنية وثقافية تعبق بالحياة والإزدهار والتطور، فكان أن طاولها «احتلال» خارجي أطبق على أنفساها وعلى وجودها المؤثر والمتطور حتى وصلت بنا حال البؤس الحضاري والإقتصادي والإجتماعي إلى ما نحن عليه في هذه الأيام، من سوء الواقع والمصير.
وعليه، الرئيس ماكرون في هذه الذكرى لتأسيس دولة لبنان الكبير، يكرر زيارته إلينا وهو عاد إليها وقد حققت ضغوطه وجهوده نتيجة أسفرت عن تصحيح جزئي لحلّ دستوري بات مشهودا وملاصقا لعهد الرئيس عون الذي أمسك بخناق المسؤوليات والسلطات بغالبيتها المؤثرة وتطاولت على مجمل الأوضاع اللبنانية مما أدى إلى جملة من الكوارث التي تتوجت مع الأسف الكبير بمجزرة الرابع من آب التي لم تسفر جهود التحقيق فيها حتى الآن عن أية وضعية تشفي توق اللبنانين إلى معرفة ما أصابهم حتى الآن من قهرها وخرابها ودمارها.
ها هي المنظومة الحاكمة تسارع إلى إهداء الرئيس ماكرون خبرا سعيدا بتكليف الرئيس مصطفى أديب بتشكيل حكومة تبنتها على ما يبدو، رباعية رؤساء الوزراء السابقين وفي طليعتهم الرئيس سعد الحريري الذي تجاوز جملة من الأسماء المرتبطة بتيار المستقبل والقريبة منه، ورشحت المجموعة السنية الرباعية، السفير أديب للرئاسة، وخلال أربع وعشرين ساعة، تمت التركيبة على ما أعد لها وارتبطت بترشيح سني يتبناه الرئيس الحريري، الأمر الذي وضع هذه التركيبة الوزارية المنتظرة في عهدته وسجلت له وعلى ذمته، وبات التعامل معها جزءا لا يتجزأ من التعامل مع مسؤولياته تجاه اقتراحها وتبنيها، ولم يعد بإمكانه وإمكان الرباعية الرئاسية السنية النجاة من حساب عسير بصددها، إذا لم تسر الأحداث بخطوط سليمة وقد تلطت الجهات التي دفعت إلى هذه التركيبة المفعمة بالعقبات والمطبات بالغطاء السني، ونحن جميعا بانتظار الإطلاع على ما ستسفر عنه عملية التأليف الحكومي المرتقبة، وبصورة خاصة على ما ستقوم به من أعمال تدّر علينا بالإصلاحات المطلوبة، وبتصويب مسيرة البلاد إلى منحى إيجابي تنقذه مما يتخبط به من سوء الحال التي تهدد مصيره بالزوال كما أفصح عن هذه العاقبة الخطيرة، المسؤولون الفرنسيون.
ننتظر التأليف إذن، وننتظر الإصلاحات المطلوبة، ونأمل ألاّ تتوقف الخطوات الإيجابية عند حدودٍ قد تبطئها او تلغيها مداخلات المنظومة السياسية القائمة، بسائر امتداداتها وتشعباتها.
الرئيس ماكرون، بدأ زيارته الحالية للبنان بزيارة رمز لبناني مخالف ومناهض تماما بما قدمه للوطن وللفن والحضارة اللبنانية، عنينا بها زيارته للسيدة فيروز، التي لم تقصّر مع الرحابنة في التفاني في تخليد صورة الوطن وحقيقة تطلعاته وطموحاته، أحسن الرئيس ماكرون، يتجاوز كل المنظومة القائمة بالدفع بها إلى الوراء مقدما عليها فيروز وما تمثله وما تغني له وتدعو إليه، «بحبك يا لبنان» قالتها فيروز ورددها الرئيس ماكرون ونرددها معه جميعا، وإننا جميعا بانتظار المقبل من الأيام والجهود والمواقف، فلبنان اليوم يتشكل ويتأهل من جديد. وقانا الله من الحبائل والمشاكل والمناورات.