حالنا حال… وكان اللّه في عون هذا الشعب الصابر الذي يتحمل ما لا يُتحمل، إذ فوق أزماته العديدة وأبرزها البطالة والوضع الإقتصادي الصعب كُتب عليه أن يتحمل هذا النمط من »الحكواتيين« الذين يسمونهم »سياسيين« وهم فالتو الألسنة على إجترار الحكي في سيل من الكلام الذي لا يتوقف، ما يذكرنا بأخبار نسوان الضيعة أيام زمان اللواتي كنّ يتجمعن داخل الفرن و… ما شئت من اللت والحكي (طالع نازل)، وإعادة فاستعادة »الخبرية« مرة وإثنتين وثلاثاً (…).
ومن يقرأ التصريحات والبيانات أو يستمع اليها لهذا المرجع أو لذاك المسؤول، ولهذا الحزب أو تلك الكتلة، ولهذا العضو في هذه الجماعة أو لذاك في الجماعة المقابلة تتمثل أمامه لوحة من ضيعة ذاك الزمان، لكثرة ما في هذه التصريحات من لت وتكرار واستغياب، وادعاء المكرمات والبطولات و … النصائح ايضاً!
والبعض من المتحدّثين، علناً، اليوم، يذكرك (على سبيل النقيض و»الضد يظهر حسنه الضدّ«) بتلك الحلقة الظريفة التي كان المرحوم منح الصلح أحد أبرز نجومها، وكان أركانها يلتقون باضطراد الى مائدة مطعم فيصل في شارع بلس مقابل مقر الجامعة الأميركية… وكما روى لنا الصلح وآخرون، فإن »القبضاي« بين أعضاء الحلقة كان الذي يغادر أخيراً، لأنهم كانوا يمضون اللقاء على الغداء في الإنتقاد والتنظير… بحيث لا يبقى أحد من المسؤولين والقياديين والشخصيات البارزة فوق »غربالهم«… حتى اذا إنتهى اللقاء كان القوم »يستلمون« من يغادر منهم أولاً بالإنتقاد اللاذع، ولا ينجو من هذا المصير (اليومي) إلاّ من يبقى أخيراً، بعد أن يكون الآخرون قد غادروا.
واليوم نحن في معرض »مهرجان« سمج من التهجمات والتحامل ولا نقول الإنتقاد لأنه عمل إيجابي في المطلق… فلا يٌدلى بتصريح أو يصدر بيان إلا كان مليئاً بالسموم، تنضح منه الكراهية، ويشي بالحقد، ويتسم بالبغضاء.
ومعظم المتكلمين أزلام أو أزلام الأزلام من المرتزقة هنا وهناك الذين شاء سوء طالع اللبنانيين ان يُنكبوا بهم في هذا الزمن الرديء، بل المتمادي في الرداءة.
إنه زمن الحقد بامتياز!
من أين جاء هؤلاء الهجينون بهذا الكم الهائل من الأحقاد؟ كيف سمحوا لأنفسهم أن يرتدوا البغضاء ويتجلببوا بالكراهية، وينطقوا سموماً فيوّلدوا هموماً فوق هموم هذا المواطن الذي تقزّمت أمنياته وطموحاته الى توفير المأكل والمشرب، بعدما نأت تكاليف الحياة عن قدراته، وبعدما بات عاجزاً عن توفير أدنى المتطلبات ما جعل الهجرة قدراً محتوماً؟!
ونود أن نعتذر من نسوان فرن الضيعة ذلك الزمان،
كما نود أن نعتذر من اركان حلقة مطعم فيصل من غادر منهم الى دنيا الخلود ومن بقي في هذه الفانية ومعظمهم صديق.
فنساء الفرن كنّ على قدر من البساطة والطبعية والظرف.
وأعضاء حلقة مطعم فيصل كانوا من الظرف والوطنية والثقافة ما لايزال عنواناً ومدرسة.
أما جماعة اليوم فالعياذ باللّه من الجهل والإنبطاح وثقل الدم والتصنّع السخيف.