بعد ضغط “حزب الله” لإطلاق أكثر من عشرين عسكرياً من “فرقة الإعدامات” في سجن صيدنايا الموقوفين في لبنان بهدف تسفيرهم (وهذا ما كشفته نداء الوطن في مقالة سابقة)، يطرح سؤال: كيف يتمكن “حزب الله” من تهريب رجالات نظام الأسد ممن اختبأوا في فنادق العاصمة وخارجها؟ الجواب الأقرب إلى المنطق، استخدامه نفوذه المتغلغل في الأجهزة الأمنية، منذ تسعينيات القرن الماضي.
هذا السيناريو، يصبح أقرب للواقع منه لـ “التكهنات”، بعد تقاطعه مع معطيات أمنية، حصلت عليها “نداء الوطن”، لفضيحة حصل التكتم في شأنها و”لملمتها” منذ أشهر، عن تحقيق حول اختفاء جوازات سفر بيومتريّة خالية من البيانات. وترجح مصادر أن عدداً من المطلوبين خرجوا من لبنان “بجوازات سفر لبنانية، وأسماء غير أسمائهم بطبيعة الحال”.
تزوير الجوازات مثبت بتحقيق “عسكريّ”
وقضية الجوازات المزورة، مثبتة بتحقيق “عسكريّ”. ففي أيار الماضي، أثيرت قضية تزوير جوازات سفر لتهريب مطلوبين إلى خارج البلاد، مقابل رشى بعشرات آلاف الدولارات.
أبرز تلك القضايا، التي جرى على أساسها تحقيق في المحكمة العسكرية برئاسة القاضي فادي عقيقي بعدما فتح الأمن العام اللبناني تحقيقاً داخلياً، كانت لتاجرَي مخدرات كبيرين، أحدهما السوري “فايز العبد” والثاني الفلسطيني ويدعى “نور المصرية”.
في 10 أيار الماضي، فرّ تاجر المخدرات السوري فايز العبد، من سجن دائرة التحقيق والإجراء التابع للمديرية العامة للأمن العام، وهناك من ساعده على الفرار ثم السفر إلى تركيا عبر مطار بيروت، بواسطة جواز سفر بيومتري. علماً أن جواز السفر هذا صحيح 100 في المئة، لكنه مزور لناحية البيانات.
ووفق ما ينقل فايز العبد نفسه إلى مصدر أمني كان على علاقة به، لقد تمكن من ذلك بدفع رشوة بعشرات آلاف الدولارات.
وانفجرت قضية التزوير مرة جديدة حين كشف النقاب عن العثور على جواز سفر لبناني مع مطلوب للقضاء من الجنسية الفلسطينية يدعى “نور مصرية” المعروف بتاجر “هنغار شاتيلا”، أثناء محاولته الفرار إلى سوريا، وتبين من التحقيق أن الموقوف ليس الوحيد الذي حصل على جواز، إذ اعترف أثناء التحقيق أن آخرين غيره حصلوا على جوازات مقابل أموال طائلة.
غداة توقيف مصريّة، توسع الأمن العام في التحقيق الذي شمل إجراء تدقيق في المستندات التي بموجبها صدر جواز السفر المزور، ليتبين أن الجواز صدر باسم أحمد عاصي، مكان القيد الحدث – بعلبك، تم تنفيذه في ما يسمى “الشعبة الخاصة” في الأمن العام، حيث يجري بشكل قانوني توفير تسهيلات لحالات استثنائية، وخاصة كطلب إصدار جوازات لمرضى سيخضعون للعلاج في الخارج، ولا يستطيعون التوجه إلى مديرية الأمن العام. استغل عنصران هذه التسهيلات لإنجاز الجواز بصورة غير قانونية من خلال قيام أحدهما بتدوين رقم قرار وهمي على الطلب.
بيّنت التحقيقات والفحوصات التي أجريت على المستندات أن إخراج القيد وإفادة السكن مزوران، والمختار منتحل صفة، وهو مختار سابق في البقاع، إلى جانب آخرين في شبكة التزوير، وتم توقيف العسكريين المتهمين وقدما اعترافات على جانب كبير من الأهمية. وظهر في التحقيق شخص ثالث توارى في بداية الأمر لكن الأمن العام عاد وأوقفه.
الملف سُلّم إلى القضاء العسكري، وطلبت المديرية العامة للأمن العام إنزال أشد العقوبات بالمتورطين وطردهم من السلك.
تأسيساً على ما جرى، وفي محاولة منها لمكافحة هذه الظاهرة، اتخذت قيادة الأمن العام بتوجيهات من مديرها اللواء إلياس البيسري سلسلة إجراءات، كان من بينها أن فرضت تدابير مشدّدة وعقوبات صارمة لمكافحة أي محاولات مستقبلية.
ولمكافحة هذه المخالفات أصدر الأمن العام في آذار الفائت أكثر من مذكرة تتعلق بمعايير قبول طلبات جوازات السفر، بعدما تم ضبط هويات وإخراجات قيد فردية وقيام مخاتير بإصدار إفادات سكن لمواطنين لا يقيمون ضمن نطاقهم. فجرى التشديد على أن يقوم بالمهمة مختار القيد حصراً، وبدأ العمل بهذا القرار على رغم امتعاض عدد من المخاتير.
اختفاء جوازات سفر “بيضاء”
بعد هاتين الحادثتين بأسابيع، سجل أيضاً اختفاء جوازات سفر بيومترية “بيضاء” أي مطبوعة بشكل رسمي، لكن من دون تعبئة البيانات الشخصية لأصحابها.
ووفق معلومات “نداء الوطن” من مصادر، فإن هذه الجوازات وصلت إلى “حزب الله”.
إثر ذلك، طلب المدير العام للأمن العام بالتكليف إلياس البيسري فتح تحقيق سري بالحادثة.
ووفق معلومات “نداء الوطن” أيضاً، فحلقة المتورطين بتزوير الجوازات مقابل رشى لتجار المخدرات، هي نفسها التي سلمت جوازات بيومترية “بيضاء” لـ”حزب الله”.
بين الاستخدام “الاستخباراتي” و”الطارئ”
هذه الفضيحة تترك علامات استفهام، حول عدد المرات التي “مرّرت” فيها هذه الشبكة جوازات سفر لبنانية لـ”حزب الله”، خصوصاً على عهد المديرين العامين السابقين للأمن العام جميل السيد وعباس إبراهيم، المعروفين بعلاقتهما الوطيدة مع “حزب الله” ونظام الأسد، فماذا عن استخدامات هذه الجوازات وأهميتها؟
-السبب الأول تجسسي وأمني. فمنذ نشأت مديرية الأمن العام ثمة ترتيبات تحصل بمعرفة الدولة لإصدار جوازات لأشخاص محددين بأسماء أخرى ولأسباب مختلفة، ومع تردي علاقة “حزب الله” مع دول عربية عدة، في طليعتها السعودية والإمارات، كان “الحزب” يرسل أشخاصاً محسوبين عليه إلى هذه الدول وغيرها لدواع استخباراتية وذلك عبر التمويه، بجوازات سفر رسمية وأحياناً بأسماء أشخاص “مسيحيين” مثل “جوزف” و”طوني”، مع إرفاقها بأماكن قيد في مناطق ذات أغلبية مسيحية.
-السبب الثاني، حالات الطوارئ. إذ كان “الحزب” يترك هامشاً أو عدداً من جوازات السفر البيضاء لحالات الطوارئ المحتملة، كتهريب مطلوب أو غيره.
ومن الطبيعيّ اليوم أن يلجأ “حزب الله” إلى تسفير فلول نظام الأسد والفرقة الرابعة وتسهيل هروبهم عبر مطار بيروت شأنهم شأن “تجار المخدرات”، وبحوزتهم الأموال الطائلة، هرباً من مطاردة السلطة السورية الجديدة لهم بأي ثمن.
وبعد تلقي النائب العام التمييزي في لبنان القاضي جمال الحجار، برقيّة من “الإنتربول”، تم تعميمها عبر “الإنتربول” الدولي، تطلب من السلطات اللبنانية “توقيف اللواء جميل الحسن، مدير المخابرات الجوية السورية في نظام الأسد”، بات بالإمكان رسمياً الحديث عن تبعات تهريب فلول نظام الأسد، وتداعياته لناحية تعريض سمعة الدولة اللبنانية لتسهيلها هروب مطلوبين للإنتربول الأميركي والدولي.