Site icon IMLebanon

الولايات المتّحدة: الفاخوري يُساوي لُبنان!

 

عشرون عاماً أمضاها العميل عامر الياس الفاخوري المعروف بـ«جزّار الخيام» في أميركا بعد فراره من لبنان عام ١٩٩٨ قبل الانسحاب الإسرائيلي بعامين. وصدر في العام ذاته حكمٌ غيابي بحقه بالسجن لمدة ١٥ عاماً مع الأشغال الشاقة بتهمة العمالة للعدوّ الصهيوني. وقد عاد الفاخوري الى لبنان في أيلول ٢٠١٩ وما لبث ان وقع في قبضة القضاء العسكري وسط علامات استفهام عن سبب عودته وطريقة ادخاله من مطار بيروت ودور واشنطن بالقضية. وبعد مرور ستّة أشهر على اعتقاله، وبفعل الضغوط الأميركية، تمّ إطلاق سراحه الاثنين الماضي بعد إسقاط تهمة العمالة عنه بذريعة مرور الزمن وكُفّت التعقبات عنه في جرائم تعذيب سجناء في معتقل الخيام وتسببه بوفاة اثنين منهم.

 

لم تكد الأجهزة اللبنانية تلقي القبض على الفاخوري في أيلول الماضي حتّى تحرّكت الاتصالات الأميركية مع لبنان في سبيل الإفراج عنه، وتولّى المهمة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو شخصياً، فأجرى اتصالات بعدد كبير من المسؤولين اللبنانيين للإفراج عن الفاخوري وإلا سيؤدي البقاء على توقيفه إلى مشكلة بين الولايات المتحدة الأميركية ولبنان، فيما صرّحت السيناتور الديمقراطية الأميركية جين شاهين إنّ لبنان مهدّد بالعقوبات بسبب احتجاز عامر الفاخوري الذي يحمل الجنسية الأميركية، لأن أمر إطلاق سراح فاخوري مطلوب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً، في إشارة صريحة مفادُها أنّ الفاخوري يُساوي لُبنان.

 

واستمرّت الولايات المتّحدة الاميركيّة في ممارسة الضغوطات الهائلة في ملف الفاخوري، وتهديد لبنان بفرض سلّة من العقوبات عليه، تحت عنوان تقديم الدعم لمواطن ‏أميركي، حتّى أُطلق سراحه بعد إسقاط تهمة العمالة عنه بذريعة مرور الزمن ونقله الى السفارة الاميركيّة، ومنها جرى تهريبه على متن طائرة مروحيّة أميركيّة قدمت من قبرص وحملته إلى الولايات المتحدة. ولو لم يَكُن الفاخوري عميلاً إسرائيلياً أميركياً لما سخّرت الولايات المتحدة كُل إمكانيّاتها لتهريبه علانيّةً، في عمليّة تُشكّل انتهاكاً فاضحاً ووقحاً وصريحاً لسيادة لبنان وكرامة الشّعب اللّبناني.

 

وإثر خروج الفاخوري من لبنان، شكر ترامب في مؤتمر صحفي الحكومة اللبنانية «على جهودها في إطلاق سراح الفاخوري» على حد تعبيره، ومؤكداً أن الولايات المتحدة لا تترك مواطنيها رهائن. ومع وصول الفاخوري الى الكنف الأميركي، ينتظر لبنان الرأفة الأميركية من مكان ما بعد «التعاون» الذي أشار اليه ترامب، وقد يُترجم ذلك من خلال تجميد العقوبات التي هددت أميركا لبنان بها سراً وعلانية لإجبار لبنان على إطلاق سراح الفاخوري. وما تقدّم يشي بأن الولايات المتّحدة تتعامل مع لبنان وكأنّه شبه مستعمرة لها، ومشهد الطائرة التي هرّبت الفاخوري الى دياره هي حلقة في سلسلة من الاستهانة الأميركية بالسيادة اللبنانية.

 

إنّ ما جرى يطرح جُملةً من الأسئلة، أوّلها لماذا دخل الفاخوري الأراضي اللبنانية وما هي مهمّته؟ وكيف تمت ازالة اشارة الأمن العام عن اسمه واسم غيره من العملاء؟ ولماذا سُمح للمروحيّة الاميركيّة بالهبوط ثمّ بالإقلاع وعلى متنها العميل الفاخوري بالرّغم من قرار المحكمة بمنع سفره؟ وهل سيتمّ نزع الجنسيّة اللبنانية عن الفاخوري وعائلته؟

 

وبالنتيجة يجب تقصّي وقائع العمليّة الأميركيّة لتهريب العميل الفاخوري، والتي قد تكون تمّت بتواطؤٍ داخليّ، وكشف كل من شارك وتواطأ في عملية إطلاق سراحه وتهريبه من لبنان. كذلك يجب اتخاذ التدابير اللازمة لعدم تكرار ما جرى في ملفّ العميل الفاخوري حتّى لا تُشَجّع الدّول الاجنبيّة على عمليّات القرصنة وانتِهاك القانون وسيادة لبنان.

 

والأهمّ من ذلك أن تتخذ الدّولة اللبنانيّة التدابير اللازمة لمنع عودة العملاء الى لبنان وتعريض أمنها للخطر، ومنها تعديل قانون العقوبات بما يحول دون تطبيق مرور الزمن على أعمال العدوان على لبنان وتُهم العمالة لصالح دولة أجنبيّة، وإنزال اقصى درجات العقوبة كالحكم بالإعدام والمؤبّد مع اعمال شاقّة وغيرهما.