بغضّ النظر عن قرار تمييز الحكم الذي صدر عن المحكمة العسكرية في قضية العميل عامر الفاخوري، إلاّ أن ما حصل يُسلّط الأضواء على كيفية تصرّف السلطة التابعة لـ”حزب الله” مع هكذا ملفات.
من منا ينسى كلام النائب نواف الموسوي قبل أن يستقيل لاحقاً في جلسة مجلس النواب في 13 شباط 2019 عندما قال بالفم الملآن: “شرف للبنانيين أن يصل العماد ميشال عون ببندقية المقاومة الى بعبدا، بدلاً من أن يصل على دبابة اسرائيلية”.
ومن منا ينسى تصريحات المسؤولين الإيرانيين بعد نتائج الإنتخابات النيابية التي جرت في 6 آيار 2019 عندما أكّدوا أنه بات لمحور الممانعة الغالبية النيابية في لبنان، وعلى هذا الأساس يُنتخب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب منذ العام 1992 لأنه الممثل الشرعي لما يُعرف بـ”خط المقاومة”.
وليس من زمن بعيد، أكمل الممانعون سيطرتهم على المؤسسات في لبنان وكلّفوا حسان دياب تأليف الحكومة من ثمّ ألّفها ونالت ثقة نواب “محور الممانعة” فقط، حتى ذهب البعض إلى القول إنها حكومة “حزب الله”.
وليس سرّاً أن التشكيلات والتعيينات في كل المراكز ومن ضمنها القضائية تخضع للمحاصصة الطائفية والسياسية، وليس سرّاً أبداً أن رئيس المحكمة العسكرية في لبنان العميد حسين عبد الله نال مباركة “الثنائي الشيعي” ليحتل مركزه، وهو الذي قرّر إخلاء سبيل الفاخوري.
شرب “محور الممانعة” منذ فترة نخب سيطرته على الدولة والحكم، فالقوى التي كانت تقف له بالمرصاد مثل أحزاب “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” و”التقدمي الإشتراكي” و”تيار المستقبل” وبعض المستقلين باتوا خارج جنة الحكومة، فانفرد ما يسمّى بـ”المقاومين” أكانوا قدامى أو جدداً بدفّة الحكم، وها هم يتخذون القرارات التي تناسبهم، ومن بينها قرار المحكمة العسكرية قبل تمييزه، والذي نصّ على تخلية سبيل الفاخوري، في حادثة تشبه إطلاق العميد فايز كرم، الذي ثبتت عليه تهمة العمالة، بمسعى عوني ومباركة “حزب الله”.
وإذا كان التراجع عن الخطأ فضيلة، إلا أن أحداً من جمهور “حزب الله” وحلفائه لم يصدّقوا حتى اللحظة ماذا حصل، ولم يعرفوا من كان وراء مثل هكذا قرار، أهو “حزب الله” قد أبرم صفقة مع الأميركيين، أو إنه رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل قد طلب هذا الأمر من “الحزب”؟ وبالطبع فإن “حزب الله” لا يُزعّل الحلفاء ولم يرد أن يكسر خاطر باسيل المهدّد بالعقوبات الأميركية، فوافق على مضض.
لكن الأكيد أن نقطة سوداء تُسجّل على من كان يحمل لواء المقاومة ودخل في بزارات التفاوض مع العدو، فشعار “الموت لأميركا” تحوّل عند هذا المحور إلى شعار “أوعا تزعل أميركا”، فالقصة ليست “محرزة” إذا كان إطلاق الفاخوري سيجنّب الممانعين غضب “الشيطان الأكبر”.
في كلّ الأحوال، فإن كل الحروب الإفتراضية وتقاذف التهم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” لن توصل إلى أي نتيجة، فما “انكسر عند جمهور المقاومة قد انكسر”، والغريب أن بعض المنصات الإعلامية التابعة لـ”حزب الله” إعتبرت أن قرار الإعدام بحق المجرم حبيب الشرتوني الذي اغتال الرئيس الشهيد بشير الجميل، هو من أوصل إلى مثل هكذا قرار.
وما يثير الإستغراب أكثر أن المحكمة العسكرية تقع تحت وصاية “حزب الله”، وقضية محاولة تخلية سبيل الوزير السابق ميشال سماحة وإطلاق سراح قاتل الضابط الطيار سامر حنا أكبر دليل على ذلك، وهنا يوجّه السؤال إلى إعلام “حزب الله”: هل رئيس المحكمة العسكرية عضو في حزب “الكتائب اللبنانية” أو إنّ الثنائي الشيعي هو من عيّنه في هذا المركز وقرّر القفز فوق كل المطالبات والدعاوى وإطلاق سراح الفاخوري؟
ويذكر الجميع أنه بعد صدور الحكم بحق المجرم الشرتوني صعد الوزير باسيل إلى ساحة ساسين في الأشرفية للإحتفال بهذا الحكم التاريخي، وباسيل تحوّل عندما كان وزير خارجية إلى المدافع الأول عن “حزب الله” في المحافل العربية والدولية. أمام كل هذه الوقائع والحقائق، لا تستطيع السلطة من أعلى الهرم حتى آخر مؤسسة التبرؤ من قضية الفاخوري، الذي دخل أصلاً إلى لبنان بتسوية سياسية بطلاها “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” من ثمّ جرت محاولة إطلاق سراحه، فمن يملك السلطة في لبنان لا يملك حقّ الإستغراب بل عليه أن يكشف للشعب عن الصفقة التي كانت تُعدّ ولم يُكتب لها النجاح حتى الساعة، في حين أن محور الممانعة يطمس معالم هذه القضية مثل قضايا كثيرة في لبنان لا يعرف الشعب حقيقة ما جرى فيها.