من حقيبة النهار الديبلوماسية
“التفاهمات الأميركية – الروسية أسقطت مشروع الرئيس بشار الاسد في سوريا، فالحقيقة الأساسية التي يدركها المسؤولون المعنيون بهذا الملف أن الرئيس السوري يريد “حلاً أسدياً” للصراع وليس حلاً سياسياً حقيقياً شاملاً له، ويريد تحديداً حلاً ينقذ ذاته ونظامه وليس حلاً ينقذ سوريا وشعبها من الجحيم. وسيؤدي تطبيق التفاهمات الاميركية – الروسية التي تبناها مجلس الأمن بموجب القرار الرقم 2268 الصادر أخيراً ومنحها شرعية دولية الى ضرب مخططات الأسد ومنع تحقيق أهدافه، اذ ان الاتفاق بين واشنطن وموسكو يفرض الهدنة ويدعو الى انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي”. هكذا اختصر مسؤول دولي معني بالملف السوري الوضع وقال: “إن الحل الأسدي للصراع يرتكز على العناصر والأهداف الأساسية الآتية:
أولاً، رفض الاعتراف بجوهر الصراع أي بوجود شعب محتج ثار على نظام متسلّط قمعي وطالب ويطالب بحقوقه المشروعة، اذ أن الأسد يتعامل منذ البداية مع المعارضين على أساس أنهم خارجون على القانون متآمرون أرهابيون وعملاء للخارج. هذا الاقتناع المتناقض مع الواقع والذي ترفضه باقي الدول المعنية بالنزاع باستثناء إيران دفع الأسد الى خوض حرب شرسة والى طلب مساعدة الروس والايرانيين والميليشيات المرتبطة بطهران، من أجل محاولة القضاء على المعارضين وإلغاء مطالبهم وإحكام قبضته مجدداً على البلد. لكن هذه المحاولة فشلت وفقد النظام القدرة على تمثيل سوريا وحده اذ أن أميركا وروسيا والدول الأخرى المعنية بالقضية ترى أن طرفين يمثلان سوريا هما النظام والمعارضة المعتدلة وأن المطلوب التفاوض بينهما من أجل حلّ النزاع وتحديد مستقبل سوريا.
ثانياً، الحل الأسدي يتطلب أن توقف كل الدول دعمها للمعارضين والثوار وأن تقبل شروط الأسد وأن تتخلى عن المطالبة برحيله وبتغيير نظامه وأن تساعده على البقاء في السلطة.
ثالثاً، الحل الأسدي يتطلب أن تساعد الدول المؤثرة الأسد على إعادة بناء سوريا وتمويل إعادة الإعمار وإصلاح الكوارث والدمار والخراب، وهي عملية تقدّر نفقاتها بمئات المليارات من الدولارات، ويتطلب أن ترفع العقوبات الدولية القاسية المفروضة عليه وعلى المقربين منه وعلى البلد وأن تهتم بما يريده وأن تتجاهل المطالب المشروعة للسوريين، وكأن سوريا هي الأسد ونظامه. ويريد الأسد من دول العالم أن تعيد إليه سوريا التي خسرها وانتزعها منه المعارضون والثوار.
رابعاً، الحل الأسدي يتطلب الغاء كل القرارات والاتفاقات والتفاهمات الدولية التي تبنتها الدول المؤثرة ودعمها مجلس الأمن والتي تشكل أساس الحل السياسي التفاوضي الشامل للأزمة والقاعدة الضرورية لوقف الحرب في سوريا وانهاء أكبر مأساة إنسانية عرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وترك الأسد يحكم هذا البلد مجدداً ويقرر مصيره”.
وأوضح المسؤول الدولي “أن هذا الحل الأسدي غير واقعي ووهمي وغير قابل للتطبيق وترفضه كل الدول المعنية بالنزاع باستثناء إيران ربما. لكن الأسد يتمسك فعلاً بمطالبه هذه بقطع النظر عن تصريحاته العلنية وهذا مردّه الى عاملين رئيسيين هما:
الأول، أن الأسد يدرك تماماً أن الحل السياسي الحقيقي للأزمة يؤدي الى رحيله عن السلطة وإنهاء حكمه اذ ان الحل يرتكز على تطبيق قرارات مجلس الأمن وأبرزها القراران 2254 و2268، وعلى تطبيق بيان جنيف للعام 2012 وبيان ميونيخ. وهذه النصوص تطلب كلها انتقال السلطة الى نظام جديد وتشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للنظام وللمعارضة وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة.
الثاني، أن الأسد ينكر منذ بدء الأزمة الحقائق، لكن انكار الحقائق لن يلغيها ولن يبدد الواقع. وقد رفض الأسد التعاون جدياً مع المبعوثين الأمميين والتفاوض فعلاً مع المعارضة من أجل انهاء الحرب وحل الأزمة وتمسّك بشروطه ومواقفه المتشددة التي تتناقض كلياً مع متطلبات السلام”.
وخلص المسؤول الدولي الى القول “إن الحل الأسدي يتعارض مع الاتفاق الاميركي – الروسي. وقد حانت ساعة الحقيقة بالنسبة الى الأسد. ويبدو أن حليفته روسيا تفضل التعاون مع أميركا وحلفائها من أجل تطبيق الحل السياسي الدولي الشامل للأزمة وتحقيق مكاسب لها بدلاً من مواصلة الانخراط في حرب طويلة مدمرة لن يستطيع الرئيس السوري حسمها لمصلحته ولن توقف الصراع ولن تنقذ سوريا ولن تحقق أي مكاسب للروس في النهاية”.