واحد من بين أبواب الاجتهاد الفقهي باب «سدّ الذّرائع»، وبعيداً عن سيىء الذكّر نابليون بونابرت وأقواله، خصوصاً أنّه يثير مخاوف في ذاكرة اللبنانيّين، الكلام الذي قاله رئيس الجمهورية ميشال عون بالأمس على طاولة اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا، هو كلام ومخاوف كلّ اللبنانيّين، وعودة اللاجئين أو النازحين السوريين إلى سوريا رغبة كلّ لبناني خصوصاً أنّ اللبنانيّين تضرّروا من هذا اللجوء في أرزاقهم وأعمالهم وفي البنية التحتيّة وفي الخدمات في بلد ضاق بنا وبهم، ولكن.
كلام رئيس البلاد شديد الدقة وهو يشير إلى «انتظار الحلّ السياسي» في سوريا، بالتأكيد مع نظام مثل نظام بشّار الأسد الكاذب والمخادع والمرواغ «الحلّ السياسي» لا يزال بعيد المنال، وبالتأكيد مع نظام ارتكب جرائم مروّعة بحقّ شعبه المخاوف الدوليّة سترتفع في وجه لبنان محمّلة إياه مسؤوليات إنسانيّة كبرى، بل أكثر من ذلك سيواجه لبنان دول العالم مجتمعة لاستعجاله إعادة اللاجئين السوريّين من دون تفاهم وتعاون مع الطرف الروسي الذي جاء إلى لبنان يحمل مبادرة في هذا الخصوص، ويفترض أن البيان الوزاري أشار إلى هذه المبادرة، لكن الدولة المعطلة وحكومة تصريف الأعمال وتعذّر تشكيل حكومة جعلت الأداء اللبناني تجاه هذه المبادرة «تافهاً وغير جدّي»، اليوم قبل الغد على حكومة «هيا إلى العمل» أن تشكّل فريقاً لبنانياً على مستوى وزاري وأمني يتوجه إلى روسيا لوضع جدول عمل ينسّق فيه مع الجانب السوري تحت عنوان «سدّ الذّرائع»، اسحبوا فتيل تفجير الحكومة والبلد من يدِ نظام بشّار الأسد الذي يضغط بكلّ قوّته على لبنان ظنّاً منه أنّ هذا السّلوك قد يعيده إلى لبنان، هذه العودة من رابع المستحيلات وأضغاث أحلام وليس أكثر!
«المجتهدون» و»الموالون» للنظام السوري في لبنان كثر، وهذا ليس بجديد على المشهد اللبناني، على الأقل هذا المشهد عمره أكثر من نصف قرن ويزيد، هذا إذا عدنا إلى سبعينات القرن الماضي فقط، هذه حقيقة لبنانيّة مؤسفة، وبقدر ما هي مؤسفة إنما هي حقيقة، ومن المؤسف أيضاً أنّ هناك من يستغلّ مشاعر اللبنانيّين تجاه ملفّ إعادة اللاجئين السوريّين إلى بلدهم ويصوّر لهم وكأنّ هذه العودة «شحطة قلم» وأنّها ستتمّ في غضون أيّام، مع أنّه يعلم علم اليقين أنّ لبنان في هذا الملفّ عاجز عن مواجهة دول العالم المانحة للاجئين وللبنان ودولته المفلسة أيضاً، سوّد الله وجوهاً تحف لتبييض وجهها عند نظام بشار الأسد وكلّ ما ارتكبه من قتل وإجرام!
أخطأت الحكومة بعدم التعاطي بجديّة مع المبادرة الروسيّة، وعلى الحكومة التي اجتمعت بالأمس أن تسارع وبجديّة ومن دون أي خفّة أن تتوجّه إلى الطرف الروسي طالبة منه التعاون لوضع آلية عودة للاجئين الذين انتهت المعارك في مدنهم وقراهم، وأن تكون هذه الآلية واضحة، وأن يتوجه لبنان إلى الدول الأوروبيّة لإيضاح موقفه في هذا الملفّ ولشرح عدم قدرته على الاستمرار في تحمّل هذا العبء وبهذه الطريقة، وليتذكّر اللبنانيّون أن جزءاً من هذا الأمن الهشّ الذي نتمتع به حتى الآن في لبنان سببه الرّغبة في إبقاء اللاجئين بعيدين عن أوروبا.
المطلوب إدارة هذا الملفّ بهدوء وبعيداً عن الشعارات الطنّانة الرنّانة، لا يتحمل لبنان أزمات داخلية ولا مع دول العالم، خصوصاً أنّ الواقع لا يحمل مزايدات ومهاترات، ولا اللبنانيّين أيضاً!