IMLebanon

تسقُط دمشق ولا يسقُط الساحل السوري!

فَتحت حصيلة المعارك التي قادتها المعارضة السورية بنجاح في جسر الشغور وسهل الغاب بعد إدلب، نقاشاً حول احتمال سقوط الساحل السوري، في حضرة أحد أبلغ الديبلوماسيين فهماً بالملف السوري وتشعّباته الدولية، فاستغربَ هذا الاحتمال وردَّ بابتسامةٍ مليئة بالثقة، قائلاً: «إنّ هذا السيناريو مستبعَد، لئلّا أقول لكم مستحيل… وقد تسقط دمشق قبله»، لأسباب عدّة. كيف؟

توقّف الديبلوماسي العتيق أمام السيناريوهات التي تتحدّث عن احتمال فتح معركة الساحل السوري بعد سيطرة المعارضة بمختلف فصائلها على محافظة إدلب بما فيها مدينة جسر الشغور وصولاً إلى سهل الغاب، مستغرباً السيناريوهات التي تتحدّث عن انهيار مأسوي للنظام في منطقة تشكّل أكبر مصدر قوّة له في طول البلاد وعرضها.

ولم يكن سرّاً ما قدَّمته الأطراف التي تدعم النظام من تضحيات في محافظة حمص وريفها، من تل كلخ إلى القصير وقرى القلمون، للحفاظ على الطريق الدولي السريع الذي يربط طرفي «سوريا المفيدة» من العاصمة بالساحل الشمالي، نظراً إلى أهمّيتها الاستراتيجية للنظام والقوى التي تدعمه.

وقال: ليس مستغرَباً الحديث عن خطط للمعارضة السورية تتّصل بالسيطرة على المنطقة التي تتمركز فيها كلّ القوى الحيوية الداعمة للنظام، وفيها ما يكفي من المواقع والثكنات العسكرية التي والت الرئيس بشّار الأسد».

وأضاف: «باتت هذه المناطق الممتدة من الحدود اللبنانية – السورية جنوباً إلى الحدود التركية – السورية شمالاً أكبر مأوى للنازحين السوريين في الداخل السوري، ويقال إنّها تَجمع منذ ثلاث سنوات إلى اليوم نحو سبعة ملايين ونصف مليون سوري، بعدما اعتُبرت المناطق الأكثر أمناً في البلاد والتي لم تشهَد أيّ شكل من أشكال الانتفاضة سوى في بداية التحرّكات السلمية، وذلك في مدينة بانياس مسقط رأس نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام ومناطق أخرى في اللاذقية وريفها وصولاً إلى طرطوس، وانتهَت في حينه ولم تتكرّر التجربة فيها مرّةً واحدة طيلة السنوات الثلاث التي تلتها من عمر الأزمة السورية.

وإلى هذه المعطيات التي تتمتّع بها هذه المنطقة على المستويات الجغرافية والاستراتيجية، فإنّ لها أهميتها السياسية. وسأل: هل تتذكّرون «معركة الأنفال» التي شهدَتها المنطقة الساحلية قبل عام عندما «غدرت» قوات المعارضة بالجيش السوري النظامي في كسب وتلّة الـ 54 وتلّة النسر وصولاً إلى راس بحري الذي يعرف بـ»رأس السمرا». لقد أمضت المعارضة فيها أياماً قبل أن تسَخّر كلّ القوى لاستعادتها.

وهل تتذكّرون ما كانت عليه ردّة الفعل تجاه تركيا التي دعمَت العملية وسهَّلتها عن طريق معبر الإسكندرون، فالأراضي السوريّة؟ منذ تلك اللحظة فُهِم أنّ وضع اليد على الساحل السوري الذي تتحدّثون عنه اليوم أمرٌ مستحيل، وإنْ حصلَ قد يكون آخرَ المعارك، إنْ لم تنتهِ الأزمة السورية قبل بلوغ مرحلة التغيير في تلك البقعة الساحلية التي تنعَم برعاية روسيّة مباشرة».

ويضيف: إنّ أيّ تغيير في خريطة السيطرة على الأرض في الساحل السوري سيشكّل تغييراً لم يحِن أوانه بعد، لأنّه في حال حصوله سيُغيّر في كامل تركيبة القوى الدولية التي تناصر النظام. هل تتذكّرون يومَها ما كانت عليه ردّات فعل الروس تحديداً وهم مَن يتمركزون في أكبر قاعدة بحرية لهم في ميناء طرطوس، وما لهم من قطع حربية في ميناء اللاذقية الذي تحوَّل مركزاً إضافياً لبعض زوارق وقطع الأسطول الروسي التي فاضَت عن قاعدة طرطوس.

وهل تتذكّرون كيف أسقِطت طائرة تركية قيل إنّها كانت تستطلع المنطقة لتسهيل مهمّة المجموعات المسلّحة بمجرّد أنْ خرَقت الأجواء السورية بلحظات؟ وهل تتذكّرون أيضاً ما قيل بأنّ صاروخاً روسيّاً استهدفَها وليس آخر من عتاد الجيش السوري؟

وعليه، يضيف الديبلوماسي إنّ كلّ ما تتناوله السيناريوهات هذه يقف عند حدود السيطرة على إدلب لتنكفئ قوّات المعارضة السورية إلى الداخل السوري. واعتقد جازماً أنّ ما يعنيها في المرحلة المقبلة هو قطع طرُق الإمدادات من الساحل السوري، من طريق دمشق – حمص الدولية، في اتّجاه حلب وحماه أكثر من المنطقة الساحلية.

فهم يدركون أنّ وصولهم إلى المياه الحلوة في شرق المتوسط بَعيد المنال في المرحلة الراهنة، ومتى عُقِد لهم النصر يمكن أن يفكّروا في تلك الخطوة التي يمكن أن تكون من آخر فصول المعارك في سوريا. لذلك يَختم الديبلوماسي حاسماً: إنّ معركة الساحل السوري ليس أوانها اليوم.

والقوى الداعمة للمعارضة السورية تدرك حجمَ الخطوط الحمر المرسومة في المنطقة والتي احتُرِمت إلى اليوم في أكثر من مناسبة. لذلك أستطيع الجزمَ أنّ دمشق يمكن أن تسقط قبل سقوط الساحل السوري الشمالي والأيام ستُثبِت ذلك!؟