IMLebanon

الفلوجة وما بعدها…

يتجه الشق العراقي من الحرب على داعش نحو توازنات مختلفة للعلاقة بين مكونات سياسية وطائفية تحتفظ بشروط التناحر وقدرة الاجهاز على اوهام تعويم «الاصطفافات» و»التجاذبات» التي كادت ان تطيح برئيس الحكومة حيدر العبادي بعد فشل مشروعها الإصلاحي.

مظاهر عجز العبادي امام مشاركة «الحشد الشعبي« المدعوم من ايران واطراف التحالف الوطني «الشيعي» ابرز مقدمات توازنات المرحلة المقبلة من الصراع حيث كرس مسار الحرب قناعة بان قوات الحشد صاحبة قرار في توجيه الحرب، يحدد زعيمها هادي العامري اولويات المعارك، ويعطي التعليمات لاهالي المناطق المستهدفة، ويترك للحكومة عناء اللحاق بمبادراته الميدانية.

ظهر ذلك واضحاً في مطالبة العامري للعبادي بإعطاء الاولوية لمعركة الفلوجة وعدم فتح معركة أخرى قبل حسمها، ودعوته شيوخ العشائر للمشاركة، وتعليماته للأهالي بالخروج من المدينة قبل اقتحامها، رغم معرفته بتحويل اعداد كبيرة منهم الى دروع بشرية لداعش ومن دون مراعاة لحساسيات طائفية تتراكم منذ سقوط النظام السابق.

حدود هامش حركة الحشد الشعبي – المبني على اخفاقات القوات الحكومية – لا تتوقف عند منطق القوة الذي يتحدث به العامري ففي سير المعارك شواهد اخرى ذات فعل تراكمي يتمثل بعضها في دلالات وتداعيات الممارسات التي يتعرض لها اهالي مناطق التواجد الداعشي.

تصريحات مجلس محافظة الانبار وبيانات تحالف القوى العراقية حول اعمال القتل والتعذيب والاضطهاد والاختفاء القسري التي طالت مئات الشبان من ابناء «الصقلاوية» و»الكرمة» و»الفلوجة» الجزء الظاهر من تبعات انتهاكات قامت بها عناصر الحشد وتختلف واجهات المكونات العراقية في توصيفها وتقييمها.

المعلومات التي تضمّنتها إفادات هذه الجهات تفيد بتجاوز ما تعرض له ابناء تلك المناطق من الممارسات الفردية واتخاذه شكلاً منظماً مما يقلل من اهمية تبريرات منظري دور قوات الحشد ولم تبق عناصر الشرطة الاتحادية خارج دائرة الشكوك والاتهامات وفي ذلك ما يزيد من تشوهات صورة الحكومة وادواتها لدى المكون السني.

وعلى هامش هذه الانتهاكات جرت تحركات سياسية خجولة اخذت شكل تبرئة ذمة مجلس محافظة الانبار وتحالف القوى العراقية المفترض ان يكون واجهة العرب السنة في تلك المناطق ورفع العتب عن رئيس الحكومة صاحب الولاية – نظريا – على عموم الشعب العراقي. فمن ناحيتهما طالب المجلس والتحالف باجراءات لوقف الانتهاكات ومحاسبة المنتهكين فيما وعد العبادي بتقديم المتورطين الى القضاء.

مطالب الطرف الاول بقيت من دون صوت المعركة في مناطق الحرب على داعش لا سيما وان كل احتجاج على ممارسات الحشد والقوات الحكومية يوضع في دائرة اعاقة حسم المعركة وعلى الطرف الاخر يعي رئيس الحكومة ان التوازنات القائمة تحول دون ذهابه الى تنفيذ وعوده.

الواضح من خلال مسار الأحداث أن حماية الاهالي في المناطق الساخنة لم تكن المهمة الوحيدة التي اخفق فيها العبادي حيث ظهرت مؤشرات على محاولة استغلال حالة الحرب على داعش في فرض وقائع جديدة تعزز دور ايران وحلفائها وادواتها.

بين هذه المؤشرات اعلان وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري وبشكل مفاجئ ان قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني يعمل مستشاراً عسكرياً لدى الحكومة العراقية مما شكل صدمة جديدة للمكون السني وواجهته السياسية.

ابرز التساؤلات التي تداولتها اوساط العرب السنة بعد تصريح الجعفري يدور حول البعد السياسي للاعلان وما اذا كان بموافقة العبادي او لاحراجه امام العواصم العربية صاحبة المواقف الحذرة من النفوذ الايراني لا سيما وان دور سليماني في البلاد يتجاوز المتعارف عليه من ادوار المستشارين ولم يخل الامر من استفاضة في الحديث حول حاجة الحكومة العراقية للبحث عن غطاء لدوره في العراق لا سيما وانها عاجزة في ظل ازماتها عن الحد من هذا الدور واشارت الى تهميش قادة الجيش العراقي السابق رغم قدراتهم وخبراتهم التي اكتسبوها في الحروب السابقة لحل الجيش واعادة تشكيله.

واللافت للنظر ان اعلان الجعفري المفاجئ ترافق مع تداول معلومات بشأن فقدان رئيس الحكومة سيطرته الشكلية على الحشد الشعبي صاحب العلاقة المباشرة مع قاسم سليماني حيث رفض ابو مهدي المهندس التعامل مع الفريق محسن الكعبي الذي عينه العبادي نائبا لرئيس هيئة الحشد ومشرفا على شؤونها المالية بعد شكوى وزارة المالية من تلاعبات في كشوف الرواتب.

تسمية الجعفري لسليماني بمستشار الحكومة اقرب الى حلقة في سلسلة طويلة من ترتيبات تجهز على اية قوة دفع توفرها الحرب على داعش للعبادي في مواجهته مع شركاء التحالف الوطني الحاكم وتمهد لمرحلة ما بعد الفلوجة.

احدى حلقات هذه السلسلة تزايد قوة الدفع الايراني لتشكيل «حرس ثوري« عراقي الامر الذي يعطي جرعة قوة اضافية للحشد الشعبي ـ المرشح لان يكون نواة للحرس ـ ويكتسب اهمية استثنائية مع اتهامات هادي العامري للقوات الحكومية بالخيانة.

ترتيب الاولويات الأميركية يتيح مجالاً اوسع لسعي الاطراف العراقية الاكثر قرباً من ايران الى خلق توازنات جديدة تعزز الدور الايراني حيث يحظى بحث الادارة الأميركية عن انتصارات على الارهاب بواجهة اجندات البيت الابيض مما يشجع الاخير على غض الطرف عن الحشد الشعبي وممارساته باعتباره خطراً اقل من الخطر الداعشي.

وبذلك يجد العبادي نفسه في معادلة بالغة التعقيد حيث تنحاز الادارة الأميركية – ولو مرحلياً – لاعطاء الحشد الشعبي دوراً في الحرب على داعش في الوقت الذي لا يوفر النظام الايراني فرصة للبناء على هذا الدور مما يخلق مناخات ملائمة لسد التحالف الوطني الشيعي الطريق على اية محاولات اصلاحية يحتاجها الاستقرار النسبي وحل الازمات الاقتصادية الراهنة في البلاد.

تقود مجريات الاحداث العراقية خلال معارك الفلوجة وغيرها من المناطق التي يتركز فيها تنظيم الدولة الاسلامية الى مسارات متشعبة من بينها اعادة انتاج دورة جديدة من العنف الطائفي – لا سيما وان داعش نتيجة وليست سبباً لحالة التوتر بين المكونات العراقية ـ وتغلغل الدور الايراني وتفاقم صراع التحالف الوطني الحاكم على غنائم الحرب والحكم وكل هذه التشعبات ترجح استمرار حالة الفوضى في البلاد.