هل قرّر الرئيس باراك أوباما تعديل مقاربته الفلسفية لحرب سوريا؟ هل اقترب من موقف الرئيس فلاديمير بوتين في إعطاء الأولوية للحرب على داعش والنصرة، وان لم تكن هذه هي الأولوية في العمليات العسكرية الروسية؟ وهل يعني إطلاق معركة الرقة في سوريا بالتزامن مع معركة الفلوجة في العراق أن أوباما تخلّى، أقلّه جزئياً، عن معادلة قوامها: لا إنهاء لداعش لئلا يستفيد النظام، ولا تركيز الضربات على النظام لئلا يستفيد داعش؟
ما يدور على الأرض يوحي ان شيئاً ما تبدّل في حسابات الكواليس. فلا زيارة قائد القيادة المركزية الجنرال جوزف فوتيل لقوات سوريا الديمقراطية التي قوامها الكرد هي زيارة عادية، ولا ما كشفه عن الهدف هو أقل من القول ان زيارتي أدت الى تقوية اعتقادي بأن الولايات المتحدة تأخذ المقاربة الصحيحة عبر تطوير قوى محلية لمحاربة داعش وادارة القتال بما لديك من قوى. لكن استعادة الفلوجة من داعش هي هدف المعركة التي يتم تسليط الأضواء على الدور الايراني فيها عبر الحشد الشعبي وحضور الجنرال قاسم سليماني. أما معركة الرقة فان هدفها حالياً هو الريف وليس تحرير المدينة التي جعلها داعش عاصمة الخلافة.
والقاسم المشترك بين المعركتين هو الدور الأميركي والخطة التي عنوانها ضرب داعش في أكثر من مكان في وقت واحد. ولم يكن من المفاجآت أن يرد داعش بالخطة نفسها فيضرب في أكثر من مكان في وقت واحد: هجوم ودفاع معاً، وعمليات ارهابية بسيارات مفخخة وانتحاريين في بغداد وعدن وطرطوس وجبلة. لكن من الصعب تجاهل ما عبّر عنه قائد المعارك المشتركة مع العراقيين الجنرال الأميركي بيل مولن بالقول: العملية العسكرية تدور فوق رمال سياسية متحركة.
ذلك أن محاربة داعش مع استمرار الأزمة السياسية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسواها هي وصفة لحرب طويلة. فالتنظيم الارهابي ولد بمزيج من الفعل ورد الفعل. أما الفعل، فإنه بالطبع السعي المستمر منذ سقوط السلطنة العثمانية لاعادة الخلافة. وأما رد الفعل، فإنه على الغزو الأميركي للعراق، والادارة المذهبية للسلطة وخصوصا ايام نوري المالكي، وتحكم اقلية بأكثرية في بلدان عدة، وتمدد الهيمنة الايرانية.
والكل يعرف ان محاربة داعش بقوى اميركية واوروبية وروسية وقوى مذهبية محلية واقليمية تبقى ناقصة، وان نجحت عسكرياً. فلا نصر حقيقياً الا في القتال بقوة وطنية. والجيش اللبناني هو النموذج الناجح، فضلاً عن الحاجة الى الحرب على الجبهات الفكرية والايديولوجية والسياسية والاقتصادية. فلا أنظمة الفساد الفاشية هي البديل من داعش، ولا همجية داعش تكفي لدفع الشعوب الى التسليم بالأنظمة التوتاليتارية.