IMLebanon

صورة زائفة تُخبّئ حقيقة مرة

هذه الأيام نعيش في لبنان زمنَ الصورة وبكلّ أبعادها… الصورة تجتاحنا، تنام في منازلنا وتغزو عقولنا. علاقتنا معها غريبة ومعقّدة تكاد تصل الى حدِّ العبادة… حينما تطلّ علينا صورةٌ ما نُصدّقها مهما كان نوعها، أكانت مطبوعة بصيغة خبر أو كانت كناية عن مشهد مصوّر بالألوان أو بالأسود والأبيض لا يهم… أو كانت حدثاً مصوَّراً يمرّ أمامنا للحظات.

وبناءً على صياغتها أو جماليّتها تتكوّن الحقائق وتتشكل الدلائل القاطعة لدى الرأي العام ويُحكَم على نجاح شخص ما أو مشروع معيّن وفشلهما… والصورة تدين الناس حتى ولو كانوا بريئين، وتُبرّئ غيرهم حتى ولو كانوا مذنبين.

ومع الأسف فإنّ الصورة لم تعد حكراً على الأفراد، بل هي امتدت الى المؤسسات العامة والخاصة، ولعلّ الأحزاب والتجمّعات خيرُ دليلٍ على ما نقول… ولكي لا نغرق في فضاء العموميات، إليكم بعض الأمثلة التي تمسخ فيها الصورة حقيقة بعض الأحزاب والجماعات والمؤسسات… ففي لبنان غالبية الأحزاب والمجموعات تحاول أن تظهر بأنها تحتكم الى الديموقراطية في اتخاذ خياراتها، فهي مؤسسات حديثة عصرية تضع قانوناً يُنظّم شؤونها الداخلية، وتنظّم هيكلية حزبية توزّعها على محازبيها، وتجري انتخاباتٍ داخلية في مواعيدها تضجّ بها وسائل الإعلام، وتعلن نتائجها فور صدورها…

ولكنّ الحقيقة المؤلمة تقبع مع الأسف خلف الصورة، إنها الديكتاتورية في كلّ أبعادها وتفاصيلها طالما أنّ القرار النهائي في كلّ شاردة وواردة فيها يعود الى الرئيس أو البيك أو الزعيم الذي يستطيع أن يُعطّل ساعة يشاء الآلية الديموقراطية التي يصوّرها لنا… وطالما أنّ الهدف الوحيد لهذه الأحزاب هو جذب المناصرين ليكونوا «مكنة» انتخابية للمحظوظين من أتباع الرئيس.

مثالٌ آخر على الصور المزيّفة التي تجتاحنا يومياً… هو المجالس التحكيمية أو التأديبية في بعض الأحزاب، فهذه الأخيرة تصوّر على أنها صمام آمان لجميع المنتسبين الى مجموعة ما… ولكنّها في الواقع تخضع لرأي السلطة فيها، حتى ولو حاولت التمظهر بعكس ذلك. فأحكامها محضّرة ومطبوعة سلفاً وفقاً لما يطلبه منها البيك الآمر.

ما يعطل حقّ الدفاع أمامها وهي تُصدر قراراتها بغفلة وتبلّغها في الليالي الحالكة الظالمة كأنّ القائمين بها يعيدون تجربة زوّار الليل أو كأنهم يستحون بما ارتكبته أياديهم أو أيادي غيرهم في ضوء النهار.

في اختصار، إنّه زمن بشع لصور مشوّهة مزيّفة من دون روح… مهما حاول عاشقها تسويقها ووضعها في إطارٍ مزخرَفٍ ومطليٍّ بالذهب، لتنطليَ على الرأي العام المبهور بجمالها الكاذب ولكنّها سرعان ما ستنكسر لتظهر الحقائق المريرة.

فالصورة التي تُسوَّق وتأخذ جزءاً أساسياً من حياتنا تفتقد الى نبض المقاومين وشجاعة المناضلين الحقيقيين وقدرة المجدّدين وبراءة القديسين وأفكار الثوار على تبديل الواقع وتجميله بالحقيقة المُعاشة لا بالعالم الافتراضي.