يمضي البعض في إبداء الحسرة والأسف (وحتى «الحزن» كما قال أحدهم حرفياً) على الحال التي آلت إليها أوضاع المسيحيين. ومن باب الإنصاف أنّ معظم أصحاب هذه المناحة الكاذبة هم مسيحيون.
خيّراً إن شاء اللّه! ما هي الأسباب الموجبة لضرب الصدور وشق الجيوب والتدثّر بأزياء الحزن؟
الجواب ببساطة أنّ الأحزاب والتكتلات المسيحية الكبرى لا تشكّل «أوركسترا» واحدة، إنما كل منها يعزف على آلة موسيقية مختلفة: فهذا ينفخ في بوق، وذاك يداعب أوتار القيثارة، وثالث يحرّك أصابع البيانو، ورابع يضرب الطبل الخ… ويخصّ هؤلاء النائحون بالذكز التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ومن دون أن تفوتهم التفاتة الى الكتائب والمردة.
على صعيد شخصي لا نجد في هذه الإدّعاءات والتقولات أكثر من دموع تماسيح تذرف تمويهاً ونفاقاً.
قبل أيام كتبنا هنا داعين الى أن تكون المنافسة الإنتخابية الفعلية بين التيار الوطني والقوات إنموذجاً تقتدي به سائر الطوائف اللبنانية ليس فقط لأنه دليل عافية ديموقراطية، إنما كذلك لأنه الأسلوب الأنجع لتحقيق نتائج في إطار نصوص قانون النسبية الذي له حساباته المختلفة كلياً عن القانون الأكثري. ولو لم يوضع القانون الإنتخابي الجديد، لكنّا طالبنا بتحالفات عريضة بين تلك الأطياف، وبلوائح مشتركة. إنما للنسبية أحكاماً، وللصوت التفضيلي مثلها. فليتوقف النائحون عن الندب، ولتنته هذه المناحة الكاذبة.
وفي المنطق الذي يفرضه قانون الإنتخاب النسبي بات مؤكداً أن محصّلة التيار والقوات (لو جمعت معاً) لن تقل عن 30 نائباً. أما لو كان الطرفان في لوائح واحدة (ودائماً بموجب قانون النسبية) لما توصلوا الى أكثر من 25 نائباً في الحدّ الأقصى.
هذا في الحساب. أما في المبدأ فنحن مع المنافسة الشريفة حتى في القانون الأكثري. فالناس ليسوا قطعاناً من الغنم، ولا هم ركّاب يقفون على رصيف شارع الإنتخابات لتمرّ البوسطات «فتسوقها» الى صناديق الإقتراع! إنما الناس قوى فاعلة ولكل فرد رأيه وحريته وقراره وخياره المفترض أنّه حرّ.
وما يدعو الى الغبطة أنّ التنافس شديد الحماوة لم يعد وقفاً على المسيحيين وحدهم إنّـما بات سمة هذه الإنتخابات لدى مختلف ألوان الطيف اللبناني: فها هم أقطاب السنّة في لوائح متنافسة… وبحدّة! طرابلس مثالاً صارخاً. وها هم أقطاب الدروز على مواجهات إنتخابية مماثلة من حيث الحدة (الشوف وعاليه وحاصبيا والبقاع الغربي) ولدى الأرثوذكس حال مماثلة (المتن الشمالي تحديداً) وأما لدى الطيف الشيعي فالأمر مختلف… وفي تقديرنا أنّ العدوى ستطاول هذا الطيف اللبناني في الإنتخابات المقبلة في العام 2022…