IMLebanon

موسم الأنبياء الكَذَبة

ماذا تخبّئ لنا الأيام المقبلة؟ ما سيكون عليه حظّنا ونصيبنا؟ ما مصيرنا في السنة المقبلة؟ أسئلة يطرحها معظم الناس، ويذهبون مذاهب شتّى للبحث عن أجوبة ترضي، لدى بعضهم، أمانيهم وأحلامهم، ولدى بعضهم الآخر ما يُشبع شهواتهم وأطماعهم.

من النافل القول، بدءاً، أن معرفة المستقبل هي حصراً من خصائص الله، جلّ جلاله، وحده لا شريك له في هذه المعرفة. والناس يشركون، من حيث لا يدرون، حين يصدّقون المنجّمين والمنجّمات، والعرّافين والعرّافات، والبصّارين والبصّارات، والمتنبّئين والمتنبّئات… كيف يؤمن المؤمنون بأشخاص، ليسوا أنبياء أو مرسلين من الله، أثبتت الوقائع كذب ادّعاءاتهم وتوقّعاتهم؟ كيف يؤمنون بأنبياء كَذَبة؟

يتساوى الأذكياء والأغبياء، المتعلمون والأمّيون، أمام فنجان قهوة يقرأ فيه أحدهم أو إحداهن طالعهم. يتساوون أمام شاشة تغسل أدمغتهم بتنبؤات يدّعيها مختصون بإيهام الناس بصواب أقوالهم ودقتها وعلميتها. يتساوون أمام ألعاب الميسر مصدّقين أن توزيعاً عشوائياً لكميّة من ورق اللعب، أو استقرار كرة مجنونة على رقم معين، هو ما يكشف لهم مستقبلهم ومصيرهم.

يبحث الإنسان، بوسائل ملتوية شتى، عن مصيره، غير عارف أنه هو شخصياً عليه أن يسهم في تحديد هذا المصير والسلوك بمقتضاه لتحقيقه. وليس سوى الكسول والخامل والمستقيل من المبادرة ينتظر انتظاراً سلبياً ما سيكون عليه مستقبله. فهل علينا أن نبقى بلا فعل أمام الكلام على الفتنة والحرب والاغتيال والتهجير… أم نستطيع أن نفعل شيئاً لقطع دابر الفتنة وإحلال السلام مكانها؟ كيف نعبر من حالة اللافعل إلى حالة الفعل؟

يقول القدّيس بولس الرسول: “انظروا إذاً أن تسلكوا بحذر لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت فإن الأيام شريرة، فلذلك لا تكونوا أغبياء بل افهموا ما مشيئة الرب، ولا تسكروا بالخمر التي فيها الدعارة بل امتلئوا بالروح مكلّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مرنمين ومرتلين في قلوبكم للرب” (أفسس 5، 15-19).

حسن أن يحتفل الإنسان بالأعياد، فيفرح بالولائم والهدايا والتئام شمل العائلة والأصدقاء… لكن العيد، قبل ذلك كله، مناسبة للتوبة والغفران والمصالحة، ومناسبة لبدء حياة جديدة. نعم، الأيام شريرة، ولسنا في حاجة إلى إثبات ذلك، فنحن نحيا في جحيم يبدو أن لا قرار له. فهل نستسلم لمصيرنا أم لدينا ما نفعله لوقف هذا السقوط إلى الهاوية؟

يقول السيد المسيح في بدء رسالته: “إن روح الرب عليّ، ولأجل ذلك مسحني، وأرسلني لأبشّر المساكين، وأشفي المنكسري القلوب، وأنادي للمأسورين بالتخلية، وللعميان بالبصر، وأطلق المهشّمين إلى الخلاص، وأكرز بسنة الرب المقبولة” (لوقا 4، 18-19). فإذا لم يكن في مستطاعنا أن نوقف الذبح والقتل والعنف، فبمستطاعنا أن نكرّس أنفسنا لخدمة الإخوة المساكين والمنكسري القلوب والمأسورين والمرضى والمهشّمين واليتامى… وما أكثرهم.

هؤلاء المساكين هم نصيبنا، هم باب خلاصنا، هم الكنيسة والمسجد، هم الأنبياء والقدّيسون والأبرار، هم القِبلة والمحراب. ليس المنجّمون هم مَن يحدّد نصيبنا. نصيبنا تفرضه علينا توبتنا وعودتنا إلى الله، وصلاتنا وصومنا، وخيارنا بأن نكون أناساً جدداً على صورة الله ومثاله لا بالكلام بل في الواقع مهما كان أليماً. هذا نصيبنا، هذا صليبنا، وسنحمله إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.