تبدو الاوضاع الفنية والثقافية في لبنان بأحسن الاحوال، حيث تنشط الاحتفالات في مختلف المناطق خصوصا بالنسبة الى ما تحفل به اوضاع البلديات على انواعها، لاسيما انها لم تترك مناسبة الاعياد الدينية والوطنية من دون ان تستضيف مطربا من هنا ومهرجانا من هناك، الى حد التساؤل عن اسباب هذا البذخ الفني من غير ان يكون لبعض هذه المظاهر هدف سياسي كما درجت الحاجة والعادة خصوصا ان المجالات الفنية لا تزال على زخمها قبل ان ينتهي موسم الصيف الحافل بكل انواع الاستعراضات الفنية والثقافية؟!
يقال في هذا المجال، ان وراء بذخ بعض البلديات حيث يتم الدفع للفنانين على انوعهم بالعملة الصعبة، من غير ان تتضح حقيقة الارقام المالية الخيالية التي يتقضاها هؤلاء وهذه الظاهرة لا مجال لترجمتها اداريا وماليا طالما ان لا تفسير منطقيا لها خصوصا ان عددا من المغنين يقبضون بالعمالة الصعبة من غير حاجة الى تدوينها في سجلات هذه البلدية او تلك، فيما يقال صراحة ومن دون لبس من الصعب تحديدها بالارقام وبالتفاصيل (…)
وفي مقابل هذه الاحتفالات، ثمة من يؤكد ان لا مجال لتقاضي اموال لقاء الحفلات الفنية، لاسيما ان حضورها غير مرتبط بدفع اي مقابل مادي، بعكس المهرجانات المدفوعة الاجر وهي تتم بصورة قانونية لا غبار عليها، باستثناء ما يتردد عن تفضيل فنانين على حساب فنانين اخرين يتم انتقاؤهم على اساس مذهبي ومناطقي وهذا التوجه لا لبس فيه ان لجهة الخيارات او لجهة مكاسب هذه المهرجانات على حساب اخرين من المحسومين على ما سبق وصفهم بانهم «انتقاء تفضيل»؟!
الموضوع ليس «ضيقة عين» حق وان كان المقصود هو تشغيل العشرات من الفنانين من مختلف «الاعيرة» خصوصا ان الاخرين لا يجدون من يسأل عنهم، ربما لان الذين يحتكرون الحفلات، بعد طول بحث من الاسباب التي تتيح لهم «تطبيق» بلديات مقابل اثمان اقل ما يمكن ان يفهم منها انها تشجيعية وتذهب الى جيوب اصحاب العلاقات الجيدة، كونها مستقطعة من بعض الحسابات التي يمكن ابعادها عن انظار المراقبين الماليين الذين يتقاضون بدورهم عمولات لا تقل عن عشرين في المئة مقابل كل «رأس فني» من غير حاجة الى التطرق الى حجم المتهافتين لحضور المهرجانات من دون بدل يذكر؟!
المهم ازاء كل ما تقدم، اننا في لبنان في وضع لا نحسد عليه ليس لاننا نتكل على تزوير الوقائع، بل لان ظروفنا في حال مشبوهة من الصعب القول عنها انها من ضمن الواقع الوطني السليم، خصوصا ان الاوضاع المالية للمواطن العادي مشكوك فيها، بقدر ما هي سلبية ومن المستحيل القول عنها انها تفضيلية بالنسبة الى الامور المعاشة والتي توصف بأنها حال غير واضحة المعالم كونها دخيلة على كل ما من شأنه القول اننا في وضع طبيعي، بدليل ان اي جولة في الاسواق تظهر لنا حجم التسول المتأتي من اللبنانيين خصوصا ومن النازحين السوريين عموما؟!
اين الحاجة الملحة لتكذيب واقعنا الاقتصادي – المالي، في ظل ما يتردد عن الضائقة المعيشية المسيطرة على اكبر نسبة من اللبنانيين، من غير حاجة الى القول والادعاء الكاذب ان البلديات التي تقف وراء ظاهرة الاحتفالات الفنية، هي غاية في حد ذاتها لان المغنين اللبنانيين لم يعد مرغوبا بهم في خارج لبنان، حيث الامور هناك، عند العرب، لا تقل مأسوية عن الوضع الصعب في لبنان. لكن هذا التكاذب من جانب المجتمع اللبناني لا يعني تماما اننا في وضع سليم، لا سيما ان الذين دأبوا على طلب المطربين من لبنان تحولوا الى ما يشبه الاتكال على صعوبة الاختيار من قبل الاجانب؟!
السؤال المطروح: هل من اتكال صحيح وصريح على المطربين والمغنين اللبنانيين لانعاش الموسم السياسي؟
الذين يعرفون طبيعة تزوير الحقائق يقولون صراحة ان السياسة شيء مختلف لو ان الزائر العربي والاجنبي الذي بالامكان الاتكال عليه كي لا يستمر تزوير الحقائق، بدليل ضرورة ان يكون صرف على المهرجانات الفنية في وجهه الواسع كي لا تبقى الامور الفنية والثقافية، محصورة بنوع فني سلبي سبق القول عنه ان ظروفنا الداخلية لا تسمح بالقول اننا في واقع سليم يمكن القول عنه انه مقدمة مستمرة لتصحيح الخلل المهيمن على البلد ككل من غير حاجة الى الادعاء اننا نعيش في واقع وطني وسياحي وفني سليم؟!