برق ورعد… ودبس وبرغل وجلبوط وفرشوخ… وشعلان وضاوي
روايات وحكايات وقصص وتسميات. بعضها نعرفه وبعضها الآخر ليس تماماً. منها ما هو مؤكّد ومنها مشكوك بأمره. هي أصول أسماء العائلات اللبنانية. هجرة ونزوح، اضطهاد وتكريم، مهن ومناصب، وهجاء ومديح. كلها عوامل فعلت فعلها عبر السنين. والنتيجة فسيفساء بالغة التنوّع من الأسماء نحاول التمعّن بها من هنا وهناك لنعرف أكثر. المراجع كثيرة وأسماء عائلات كثيرة استمرّت بالتبدّل بطريقة أو بأخرى حتى – صدّقوا أو لا تصدّقوا – إحصاء 1932. الأسماء المتميّزة تقارب 90 ألفاً بحسب قاعدة بيانات وزارة الداخلية. وجزء واسع من التفاصيل التاريخية أمدّنا به المؤرخ الدكتور حسان حلاق. فلننطلق.
بالمحبة والتحبّب والشكر والحمد تدوم النِعَم: شُكر، حَمَد، محبّ، نعمة، نعمة الله، دخل الله، فضل الله، عبدالله، شكر الله، سعدالله، فتح الله نماذج.
لنأخذ على سبيل المثال عائلة حَمَد المتوطّنة منذ القرن التاسع عشر في منطقة عين المريسة. هي في الأصل من أسرة الجردي من الشويفات، وتعود بِنَسَبها لجدّها خليل الجردي الذي أنجب ولداً وحيداً سمّاه حَمَد، حمداً لله على نعمته. وقد أنجب الأخير بدوره خليل حَمَد ومنذ تلك اللحظة عُرفت الأسرة بإسم «أسرة حَمَد».
عائلة فتح الله، بدورها، تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب العربي. وهي قدّمت إنجازات علمية واجتماعية واقتصادية قبل أن ينتقل أحد أجداد الأسرة من المغرب العربي إلى مصر وبلاد الشام وصولاً إلى دمشق وبيروت.
لعائلة المحبّ قصة أخرى. فأصل العائلة هو شهاب الدين حيث كان الجدّ تاجراً يوزّع الطحين على السوق اللبنانية والفلسطينية خلال الحرب العالمية الأولى. وحين ضربت المجاعة وراحت أعداد الوفيات تزداد، قدّم (الجدّ) ما لديه من مخزون طحين للفقراء من دون مقابل. إثر ذلك، قام الأتراك بإحصاءات لإصدار بطاقات هوية للسكان، فأطلقوا عليه اسم «المحبّ» نسبة لمحبة الناس له، وسجّلوه على الهوية بهذا الاسم… وهكذا كان.
إنتَ من وين؟
للجغرافيا حصّتها غير القليلة في عالم أسماء العائلات هذا. فهي استُخدمت أساساً للإشارة إلى المناطق والدول والأماكن التي أتى منها بعض المهاجرين، لا سيما وأن لبنان شهد موجة كبيرة من الهجرة السكانية خلال العهد العثماني. نذكر هنا عائلات بيروتي، جزّيني، طرابلسي، معلولي، عيتاني، مزبودي، جبيلي، شوفاني، بتروني، كسرواني، بغدادي، حجازي، ساحلي، جوني، شرقاوي، مكي، شحيمي، حلبي، حاريصي، بعلبكي، برجاوي، نابلسي، خيامي، بقاعي، عكاري، دمشقية، بشراوي، جزائري، صيداوي، زحلاوي… وغيرها الكثير.
لنأخذ عائلة دمشقية مثلاً. أصل التسمية يعود إلى العهد العثماني حيث توجّه الإمام أحمد السبراوي في حملة من دمشق إلى الأراضي المقّدسة ليُعرف منذ تلك الفترة باسم الإمام أحمد دمشقية على اعتبار أنه كان قائداً للحملة الدمشقية. وبرز العديد من أبناء الأسرة في بيروت، كما هي عاصرت الكثير من البيارتة من أبناء البسطة والنويري وبرج أبي حيدر والمصيطبة والطريق الجديدة، ممن كانوا يطلقون عليها اسم «مشقية». لماذا؟ لأن البيارتة كانوا لا يلفظون حرف الدال في القرنين التاسع عشر والعشرين.
إلى عائلة صيداوي. هي تعود بجذورها إلى آل البابا التي انتقل فرع منها من صيدا إلى حاصبيا فعُرفوا باسم صيداوي. فلا غرابة أن النزوح الديموغرافي من مدينة إلى أخرى حتّم تبدّل الأسماء والألقاب تلقائياً.
عائلات «شتوية»
فصول السنة الأربعة حاضرة في هذا المضمار بقوّة. وقد كان للشتاء الحصة الوافرة من التسميات: برق، رعد، مطر، لمع، مثلج، غيث، ثلوج، مطرجي من ضمنها.
نتعرف على عائلة مطرجي. فهي من العائلات المنسوبة إلى آل البيت النبوي الشريف. عُرفت باسم الحسيني لسنوات حتى العهد العثماني، حيث عُهد إلى أحد أجدادها الباشوات تولّي إمارة الحج وسقاية قوافل الحجاج بواسطة ما عُرف بالـ»المطرة». ولكم أن تتوقّعوا بقية الحكاية.
أما عائلة ثلج المتواجدة خاصة في قضاءي جزين والشوف وذات الأصول الفلسطينية، فقد أُطلقت عليها هذه التسمية لأن جدّ العائلة كان بارداً وهادئاً… كالثلج.
رونق الألوان
إليكم المزيد. فاحتمال أن يعرف القرّاء الأعزاء أقلّه أحداً من آل الأحمر، خضر، خضرا، أسود، زهر، الأبيض، عسلي، الأصفر، الأسمر، سمرا، صفير، حمرا، أو ما شابه، وارد للغاية.
اسم عائلة خضر، مثلاً، لا يرتبط باللون الأخضر تحديداً. فهو لقب أُلقي على الكثير من العائلات تيّمناً بالسيد الخضر عليه السلام. كيف لا وهو مكرّم لدى كثير من اللبنانيين… المسيحيين والمسلمين. «مسجد الخضر» في الكرنتينا شاهد وهو المعروف لدى المسيحيين بمار جرجس.
أما عائلة الأسود، فيرجع أصلها إلى بني سركيس الخوري، من «أذرع» هناك في حوران. جدّ الأسرة هو ابراهيم بن جرجس بن سركيس الخوري الملقّب بالأسود للون بشرته الداكن. وقد انتقلوا إثر الفتح العثماني سنة 1517 ليقيموا في رأس بعلبك وبعدها في طرابلس ومنها إلى… برمانا.
نار ونور
ضو، شمعة، قنديل، سراج، منير، نور، شرارة، قداحة، قديح، كبريت، بارود، حريقة، مشعل، شعلان، ضاوي، ضيا، مصباح، صباح… واللائحة المقترنة بالأضواء والأنوار تطول.
عائلة منير سُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى المدينة المنوّرة حيث سكنت فيها لزمن ولها هناك أوقاف باسمها حتى اليوم حيث اشتهرت برجالات دين قدّموا للفقه الديني الكثير.
من ناحيتها، تعود عائلة حريقة بأصلها إلى عائلة طربيه في تنورين. فجدّ هذه العائلة هو يوسف أبو طربيه الذي انتقل مع إخوته السبعة إلى زحلة في القرن التاسع عشر هرباً من تداعيات حادثة قتل واجهوها في تنورين. واكتسب في زحلة لقب حريقة لإقدامه على حرق عدد كبير من الأشجار ليشيّد منزلاً ومحلاً له ولإخوته.
والأطعمة أيضاً
فتوش، كبي، طحيني، برغل، دبس، بصل، ترمس، زيتون، كوسا، زعتر، سنيورة، حلاوي، شمندر، عدس، عسل، جلول، برازق، بطيخ، سكر، كمون، تفاحة، دقة، بقدونس، قمح، يقطين، طبيخ، فلفلي، فليفل، شوربا. هي أيضاً أسماء عائلات لبنانية كما لكم أن تتوقّعوا. بحسب بعض المصادر، أصل عائلة حلاوي في سوريا ولبنان وجبل الدروز يعود إلى قبيلة بني خزيمة التي نزح بعض أفرادها إلى غرب الفرات وأقاموا في مدينة الحلّة. ثم هجروا إلى شمال سوريا أيام حروب القرامطة حيث عُرفوا هناك بالحلاويين. وانتقلوا بعدها إلى جنوب لبنان ليسكنوا حاصبيا وعين قنيا وينطا. أما عائلة فتوش، فهي مشتقة من اللغة التركية وهو لقب الدلع لاسم فاطمة. هم في الأصل من العائلات التي استوطنت سهل البقاع إبّان الحكم الفاطمي ومن عرب الجزيرة وينتسبون إلى بني قريش. وقد اعتنقوا المسيحية في مطلع القرن الثامن عشر مع وصول البعثات التبشيرية الكاثوليكية… وما زالوا.
قُل لي ماذا تعمل
غالباً ما ارتبط اسم عائلات لبنانية عدّة بالمهن التي احترفوها عبر التاريخ. نذكر نجار، حداد، عمّار، حلاب، معماري، صياد، خشاب، حطاب، خباز، طحان، خياط، نحاس، ساعاتي، زيات، صايغ، جمال، فاخوري، ملاح، رمّال، حلاق، لحام، حكيم، ورّاق وغيرها.
فما أصل اسم عائلة حكيم؟ هو يعود إلى عائلة العقّاد، وكان أحد أجداد العائلة آنذاك طبيب أعصاب. أُصيب الباشا التركي يوماً بشظايا زجاج في عينيه، وعجز الأطباء عن معالجته. فاقترح الطبيب العقّاد إجراء عملية له ونجح في إعادة تثبيت نظره. وإكراماً له، مُنح لقب الباشا، فاستخدم سلطته لتغيير اسم العائلة لاحقاً محوّلاً إياها من العقّاد إلى حكيم.
عائلة حداد هي الأخرى تعود في أصلها إلى قبيلة بن قين من بني غسان وهي من القبائل العربية شمال الجزيرة العربية. القبيلة تلك كانت تصنع الأسلحة لقبائل بني غسان ومن هنا تكنّى أفرادها بالحدادين. وقد هاجر جزء منها إلى الأردن ومنه إلى لبنان عن طريق المصنع واستقرّ آخرون في فلسطين.
لم ننسَ الدين
إلى التسميات ذات الصلة بكلمة «الدين»، أو الرتب الدينية، ننتقل: زين الدين، علاء الدين، شمس الدين، جمال الدين، سعد الدين، الخوري، الشيخ، و… العديد العديد.
تاريخ عائلة شمس الدين يعود إلى الشهيد الأول لدى الشيعة كونه كان أول عالم دين يُقتل لفكره الديني. وهو محمد بن مكي بن محمد الجزيني والملقّب بشمس الدين نظراً لعلمه «المنير» كالشمس. وقد اعتُقل على يد المماليك المعادين للشيعة في سجن القلعة في دمشق في العام 1385. وفي سجنه ألّف إحدى أهم الموسوعات المرجعية وتُعرف باللمعة الدمشقية.
ماذا عن عائلة الخوري؟ هي من الأسر المسيحية البيروتية واللبنانية والعربية التي تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي توطّنت في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين. وبما أن لقب خوري في بلاد الشام كان يُعتبر لقباً دينياً ورتبة كهنوتية، فقد حمله كل من سلك المسلك الديني ومن كان مدبّراً لقريته أو راعياً لها. لذا ليس ثمة رابط قرابة بين جميع الأجداد الذين حملوا هذه الرتبة. والحال أن أجداد بعض الأسر الإسلامية حملوا لقب خوري أيضاً، ليس كصفة دينية أو كهنوتية، بل نسبة إلى مناطق عُرفت باسم «الخور».
لا داعي للإحراج
وهذه دفعة إضافية من الأسماء: نسر، صقر، شاهين، حمام، حبشي، حسون، نورس، عصفور، ديك، جلبوط، صوص، نحلة، جرادة، فروخ، طاووس، زرقط، زراقط، بلبل، دبور، فرفور، أبو الريش، شحرور وغيرها.
على سبيل المثال، يختلف الباحثون حول أصل تسمية عائلة نحلة. فهناك من يعتقد أن أفرادها جاؤوا من جنوب لبنان وقد أُطلقت عليهم هذه التسمية لعملهم وسعيهم الدائم والمستمر كالنحلة. وهناك من يرى أنهم قَدِموا من حماة وكانوا أهل نحلة… أي أهل كرم وعطاء. أما عائلة طاووس فتنحدر من ذرية الإمام الحسن السبط. وسُمّيت هكذا نسبة إلى جدّها الذي لُقّب بالطاووس لأنه كان حسن الوجه والمظهر.
بعض الأسماء لا تخلو من التسبّب بشيء من «الإحراج» لأصحابها. ونذكر: حشاش، زابيطا، زلط، أزعور، قاروط، تيزاني، الهبري، بيضون، قرف، فرشوخ، عكروش، مطهر، الفحل، خزقة، ورطان، أفيوني، نعسان، أبو كرش، معتر، جربو، مفطوم، بهلول، زبال والكثير غيرها.
تتقاطع مصادر عدّة لناحية التأكيد أن هذه التسميات تعود إلى الفترة العثمانية حيث كان العثمانيون يطلقون ألقاباً مهينة لا تليق بالمساجين والمحكومين (والكثيرون منهم سُجنوا وحُكموا ظلماً وبهتاناً) بهدف الإساءة والتقبيح. وقد استُخدمت هذه الألقاب في ما بعد من قِبَل العثمانيين أثناء تسجيل الهويات والأوراق الثبوتية للمحكومين. وسَرَت التسميات.
طبعاً هذا ليس كل شيء. فهناك الكثير الكثير من الأسماء الأخرى التي يحتاج شرح أصلها وفصلها – الاجتماعي والسياسي والديني – لمجلّدات. لكن إذ نكتفي بهذا القدر، نتساءل وإياكم: هل يُعقَل أن لكل امرئ من اسم (عائلته) نصيباً؟