Site icon IMLebanon

«أزمة» إخراجات القيود العائلية: الحقّ على ديوان المحاسبة… والدولار!

 

لا أزمة بيانات قيود عائلية في لبنان… بعد، وفق تأكيد المديرية العامة للأحوال الشخصية. مع ذلك، ليست الأمور على ما يرام، إذ يحول ارتفاع الأسعار دون إجراء استدراج عروض سيكلّف أضعاف الاعتمادات. «الحق»، هنا، على الدولار… وأيضاً على ديوان المحاسبة الذي رفض عقداً نهاية العام الماضي كان سيحول دون شحّ البيانات ويكلّف أقل بكثير بعدما «طارت» الأسعار اليوم

 

أول من أمس، أصدرت المديرية العامة للأحوال الشخصية مذكرة تحمل الرقم 43، يطلب بموجبها المدير العام، العميد الياس خوري، من «رؤساء أقلام النفوس عدم إصدار بيانات قيود عائلية إلا للضرورة والاكتفاء بالمصادقة على البيانات الصادرة بتاريخ قديم والمتوافرة لدى أصحاب العلاقة بعد التأكد من أنه لم يطرأ عليها أي تعديل». لم تكد المذكرة تصل إلى المعنيين، حتى احتلت عبارة «شحّ في دفاتر إخراجات القيد العائلية» مراتب متقدمة في «تراند» مواقع التواصل والمواقع الإخبارية. ترافق ذلك مع كلام رئيس رابطة مخاتير صيدا، إبراهيم عنتر، الأسبوع الماضي عن «شح كبير في أوراق القيود العائلية في دائرة النفوس»، وإعلان عدد من المخاتير في عكار، في بيان أمس، عن «انقطاع دفاتر إخراج القيد العائلي من دوائر النفوس»، داعين «المواطنين إلى عدم طلب أي إخراج قيد عائلي جديد إلى حين قيام وزارة الداخلية والبلديات بطباعة دفاتر جديدة».

 

يؤكد خوري لـ«الأخبار» أن «لا وجود لأزمة بيانات». لكن المذكرة (جاءت للتذكير بالمذكرة الرقم 27 التي صدرت في الثامن من نيسان الماضي وحملت المضمون نفسه) لم تأت من فراغ. ففي الشهر العاشر من العام الماضي، أحالت الإدارة إلى مراقب عقد النفقات لدى وزارة الداخلية والبلديات مشروع عقد اتفاق مع إحدى الشركات لطباعة إخراجات القيود واللواصق العائدة لها سنداً إلى قرار صادر عن مجلس الوزراء. وأتبعت ذلك بـ«إيداع الملف لدى ديوان المحاسبة لإجراء رقابة مسبقة بشأنه سنداً إلى أحكام المادة 35 من قانون تنظيم الديوان». هناك، مكث الملف شهرين كاملين، قبل أن يأتي الجواب بـ«عدم الموافقة على مشروع العقد بالتراضي لعدم توافر الشروط»، طالباً من الإدارة «فتح مجال المنافسة أمام العارضين للاشتراك في عمليات تلزيم الصفقات العمومية (…)». كان يمكن لهذا الجواب أن يكون عادياً، لو أنه لم يأت على عتبة سنة جديدة تقتضي طباعة بيانات جديدة. لذلك، عمدت الإدارة، بعد 24 ساعة من تلقيها الكتاب، إلى رفع كتاب إلى وزيرة الداخلية والبلديات السابقة ريا الحسن للطلب من الديوان إعادة النظر في قراره لجملة أسباب، أهمها عامل الوقت. فأي مناقصة عمومية تستوجب فترة زمنية لا تقل عن «3 إلى 4 أشهرٍ كحد أدنى» لأن الورق المستخدم في البيانات غير موجود في الأسواق ويلزم بين 3 و4 أشهرٍ لاستيراده. السبب الإضافي هو أن الإدارة نفسها لم تتمكن في الفصل الأخير من العام الماضي «من إجراء استدراج عروض قرطاسية بسبب تمنّع الشركات عن المشاركة في اعتمادات بالليرة اللبنانية وانسحاب البعض منها بسبب فرق سعر الدولار». مع ذلك، أعاد ديوان المحاسبة التأكيد على قراره السابق بالرفض مجدداً. علماً بأن الغرفة نفسها التي نظرت في العقد وافقت استثنائياً على عقود أخرى شبيهة في إدارات أخرى «على أن تجرى مناقصات جديدة العام المقبل»! وهذا ما استغربته الإدارة، مشيرة إلى «عدم موضوعية» في تعاطي الديوان.

لم يكن الوقت يسمح لجدلٍ إضافي وخصوصاً أن الكميات المتوافرة في الـ«ستوك» كانت قليلة. لذا، وجّهت الإدارة في 16 كانون الثاني الماضي كتاباً إلى التفتيش المركزي لإدراج مناقصة عمومية في هذا الشأن، غير أن الرد جاء «بضرورة أخذ الموافقة من مجلس الوزراء». في غضون ذلك، استقالت الحكومة واستغرق تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة شهرين. عندها أعادت الإدارة إحياء الملف الذي نال موافقة الحكومة، وإن كان حتى هذه اللحظة، لم يصدر البرنامج السنوي عن إدارة المناقصات بسبب «الأوضاع الاستثنائية» التي تحول دون ذلك.

في الوقت المستقطع بين صدور البرنامج وإجراء المناقصة، أصدرت الإدارة مذكرات إدارية لتجنب أزمة انقطاع تلك الملفات. وبالتزامن، عملت على استدراج عروض دعت إليها «الشركات التي أشار إليها ديوان المحاسبة في تقريره الأول، والتي كانت بحدود 6 شركات». غير أن 3 منها اعتذرت عن عدم المشاركة بسبب تأرجح سعر صرف الليرة، فيما قدّمت 3 شركاتٍ أخرى عروضاً لم تكن على قدر تمنيات الإدارة.

 

لتخفيف الأعباء تدرس «الأحوال» تخفيف المعايير الأمنية المطلوبة في البيانات

 

وهنا، يكمن «عتب» الإدارة على ديوان المحاسبة اليوم. وهو عتب بقيمة «مليارات الليرات». فعندما أحيل ملف العقد بالتراضي على الديوان، في تشرين الأول الماضي، كانت قيمة البيانات من «عائلية وإفرادية مع اللواصق» نحو 795 مليون ليرة لثمانية ملايين و590 ألفاً من البيانات، منها مليون و600 ألف بيان قيد عائلي. وكانت الشركة قد طلبت قيمته 139 ليرة لكل بيان عائلي، أي ما يصل الى 222 مليون ليرة. أما اليوم، فإن هذه المبالغ لم تعد تفي بالغرض. فبالعودة إلى الشركات الثلاث العارضة، كان السعر الأدنى الإفرادي الذي قدمته إحداها لبيانات القيد العائلي فقط «799,20 ليرة»، أي بزيادة 660 ليرة لكل بيان قيد عائلي. وقد طلبت الإدارة استدراج عروض لـ200 ألف بيان قيد عائلي «لتأمين حاجتها». لكن سدّ الحاجة هنا سيكلف نحو 160 مليون ليرة، أي ما يوازي ثلاثة أرباع المبلغ الذي كان سيُدفع مقابل مليون و600 ألف بيان قيد عائلي.

لم توافق الإدارة على العرض نظراً إلى الفارق في الأسعار. وبما أن لا خيارات متاحة قبل إجراء مناقصة جديدة، لجأت إلى علاجات مؤقتة تعفي من انقطاع البيانات. في الوقت نفسه، وفي انتظار المناقصة، تعمل على تنفيذ معادلة جديدة تأخذ في الاعتبار التخفيف من «المعايير الأمنية» في القيود بنسبة مقبولة «على أن تبقى محمية بنسبة عالية من التزوير»، علّها تخفف من الأعباء التي يمكن أن تتحمّلها الموازنة.