فتح زمن الرعب هذا التشرين على صفحة عنف جديدة، اعتدنا في بلاد الشام كلماتها النافرة منذ القديم، وما عادت تفاجئنا لو قدّر لنا ألا نكون من ضحاياها مغادرين حياة الأرض، أو منتقلين الى مستشفيات لنعالج آثار ثقلها على أجسادنا، على حساب وزارة الصحة. وتنقل أخبار زمن الرعب هذا شاشة تلفزيون في غرفتي، تتربع على جدار فوق ألعاب تجمعت جالسة على كرسي، بينها لعبتان Orange وLemon، ودببة كبيرة وصغيرة، وPenguin والكلب الشهير Snoopy، وكلها تسمع أخبار العالم، وكلها هدايا من أصدقائي لمّا دخلت المستشفى لأتخلى عن قدمي التي أصيبت يوم تقاتلنا في لبنان العظيم، مناطقياً، ومذهبياً، ولا يزال زعماؤنا على خصام بعدما تفككت دولتنا الى لا شيء.
وليس بين ألعابي وبيني وحدة حال بعد، كما مع الألعاب التي تنتظرني في البيت حتى أعود أمشي، ولكن الى أين؟ وفتحت Lemon فمها الصغير للمرة الأولى سائلة: من يفجّر الأرض والناس هنا وهناك، في بيروت وفي باريس وغيرهما، هل هم من كوكب آخر غير الأرض؟
حقاً إن جيل الألعاب الجديد يتمتع بدرجات وعي أعمق من الأجيال التي سبقته. وحملت اللعبة وقبّلتها. كلا، فداعش من غلال أرضنا وسلالاتنا، نشأ وترعرع بيننا حاقداً، مظلوماً، محروماً، مؤمناً ومتديناً، ضعيفاً أمام كل ما يخدّر الإحساس، وأمام دولارات غرب تنهال عليه من غرب أوروبي وأميركي، وأمام سلاح متطوّر يأتيه من بلدان الخليج العربي ليدمّر الحضارات مكفّراً أهلها، بدائي التفكير ويقدّس الدمار والقتل باسم الدين الذي تمتد جذوره في أرض الخوف، وتزهر أغصانه تنافساً على ثروات الأرض فوق الجثث والدمار. ما معنى “فناتسا” سأل Penguin الصغير مذكّراً بميني ماوس التي تقلب الحروف داخل الكلمات عندما تتكلم، كما أهل السياسة عندنا الذين لا يقلبون فقط الكلمات، بل يصرّون على قلب الحياة بمن فيها…
وآخر انجازهم العظيم بعد صيام دهر، تشريع حق استعادة الجنسية اللبنانية لمن هاجروا لبنان وما صدّقوا كيف تركوا أرض البطالة والحرمان والسلبطة والحقوق الضائعة حتى البديهية منها، كحق إنساننا في كهرباء لا تنقطع كل دقيقة، وحقه في التخلص من جبال نفايات باتت جزءاً من طبيعتنا الملوّثة تراباً وماء وهواء، في لبنان الوعود الكاذبة يرميها حكامه في وجوه المطالبين بسلسلة رتب ورواتب جديدة، من سنين، ووجه امرأة تطالب منذ قرن بحقها في منح جنسيتها لأبنائها.
وقال دب صغير أبيض: لا تحزني يا صديقتنا، فلبنان بات خالياً تماماً من حكّام يحترمون إنساناً يختبر الحياة فوق أرضه، ومن انسان كأنه ما اختبر أبعاد حب وحده نبع سلام لا ينضب. نحن الألعاب نحبك مثلما تحبيننا، رموزاً لطفولة وحدها تحمل نقاء ونضارة الحياة في كل الأزمنة.