الرئيس دونالد ترامب يعيد فتح ملف أغلقه الرئيس باراك أوباما: اقامة مناطق آمنة في سوريا. وهو ملف حمله المسؤولون الأتراك، وراهن عليه معارضون سوريون، وطرحه على الطاولة مسؤولون عرب وأوروبيون وأميركيون. لكن الأمر التنفيذي الذي يصدره ترامب ليس معدا للتنفيذ بشكل أوتوماتيكي. فهو موجّه الى وزارتي الخارجية والدفاع لدرس الملف بكل أبعاده وتقديم تصور عملي خلال تسعين يوما. ولا شيء يوحي ان الدراسة السياسية والعسكرية قد تتجاوز الواقع والوقائع لتحقيق فانتازيا ترامب.
ذلك ان اقامة مناطق آمنة في سوريا هي مشروع للحؤول دون نزوح السوريين الى دول الجوار وأوروبا. ولم يكتم ترامب القول ان قبول المانيا وسواها من دول الاتحاد الأوروبي للاجئين السوريين هو خطأ كارثي. كما ان اللجوء الى دول الجوار عبء اقتصادي واجتماعي كبير وخطر أمني. لكن المشروع كان منذ البدء في حاجة الى تكامل أمرين: فرصة وارادة سياسية. الفرصة كانت مفتوحة نظريا أمام أوباما في السنة الثانية من الحرب. لكن الارادة كانت غائبة. وما ساعده على رفض المشروع الذي تحمّس له ثلاثة من فريق الأمن القومي هو تقرير رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مايكل مولن عن متطلبات المشروع: حماية جوية دائمة، تدمير الدفاعات الجوية السورية، نشر قوات عسكرية على الأرض، واستعداد للتصعيد، حسب الظروف، الى حد الانخراط الشامل في الحرب.
أما الآن، فان الفرصة معدومة حتى نظريا، بعد الدخول العسكري الروسي المباشر في القتال والسيطرة على الأجواء السورية. والارادة السياسية المتوافرة لدى ترامب تحتاج الى تفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين على صفقة تبدو صعبة ان لم تكن مستحيلة. حتى وزير الدفاع الجديد الجنرال جيمس ماتيس الذي لقبه الكلب المسعور، فانه محكوم بحسابات التهيب من صدام مفترض مع الروس كان في طليعة ما دفع أوباما الى رفض المناطق الآمنة. وحتى تركيا التي كانت ولا تزال تطالب باقامة منطقة آمنة، فانها لم تستطع اقامتها على الرغم من احتلالها لمساحة كبيرة نسبيا من الأرض السورية ضمن تفاهم وتنسيق مع موسكو.
والسؤال هو: ماذا عن الاشارة في الأمر التنفيذي الى المحيط بسوريا، أي لبنان وتركيا والعراق والأردن؟ هل يراد للمناطق الآمنة أن تقام على أراضي دول الجوار قرب الحدود مع سوريا؟ ماذا عن المناطق الآمنة حاليا في سوريا والتي تطلب بيروت العودة الآمنة للنازحين السوريين اليها؟
مهما يكن، فان حديث المناطق الآمنة هو تسليم بأن حرب سوريا التي تقترب من انهاء عامها السادس مستمرة طويلا. فلا تسوية قريبة، ولا حسم عسكريا. ولا مناطق آمنة بالطبع.