مع عودة وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الى لبنان، بعد زيارته دولاً في أميركا اللاتينية، يتوقع ان تشهد الساحة الداخلية حركة افتقدتها طوال الأيام الماضية، تخرق جدار السكون التي سيطرت على عملية تأليف حكومة العهد الجديد.. فالوزير، على ما تؤكد المعطيات، لديه من المعطيات والصلاحيات ما يكفي لتظهير الصورة أكثر، وخلط الأوراق بما يتناسب وحلحلة العقد التي يؤكد عديدون أنه لم يكن بمنأى عن العديد منها، خصوصاً وأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كما ورئيس الحكومة المكلف التزما «الصمت المدروس» ازاء ما جرى وما يمكن ان يجري ويحسبان بدقة كل خطوة ويتجنبان الانزلاق نحو ما يمكن ان يزيد ين العرقلة بلة..»
صحيح ان الرئيس عون، كما الرئيس الحريري، يمنيان النفس بتشكيلة سريعة وتحظى برضى الداخل اللبناني، كما وبرضى الخارج، حيث يتداخل الداخل والخارج على نحو لم يعد من الممكن ادارة الظهر لما يجري وعزل لبنان عن مؤثرات ومفاعيل هذا الخارج..
يستسهل البعض رمي العقبات – العراقيل في وجه هذا الفريق او ذاك، غير مدرك للآثار والنتائج المترتبة عن ذلك.. وقد خرجت بعض الرسائل عن سياق «التشفير» وباتت أسماء المتهمين بالتعطيل تتنقل من موقع الى موقع، والكل يغسل يديه..
ليس من شك في أن المسألة أعمق، وأبعد من مجرد حصة وازنة وأخرى غير وازنة، وحقيبة تليق بهذا الفريق او لا تليق.. خصوصاً وان عمر الحكومة محصور بمدة زمنية محددة باجراء الانتخابات النيابية في حزيران المقبل، بصرف النظر عن القانون الذي ستجري بموجبه هذه الانتخابات، والاتجاه الغالب هو القبول بما يسمى بـ»قانون الستين» كأمر واقع.. لاسيما وأن قوى أساسية، من مثل كتلة «الوفاء للمقاومة» – وعلى الرغم من تمسكها باقرار «قانون، انتخاب جديد يؤمن عدالة التمثيل ويكون المدخل الضروري لاعادة بناء دولة الشراكة الحقيقية» – لم ترَ مبرراً لتأخير تأليف الحكومة خصوصاً وان «العقبات المتبقية ليست عصية على الحل..» مع تمسكها بضرورة «توسعة التمثيل ليشمل كل المكونات السياسية في لبنان..».
يرمي عديدون الكرة في ملعب «الثنائي الشيعي».. والرئيس نبيه بري، كما «حزب الله»، يتابعان بدقة ما آلت اليه الاتصالات لتشكيل الحكومة وما تحقق وما لم يتحقق مع تمسك رئيس مجلس النواب بحقيبة تليق برئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية، الأمر الذي اثار حفيظة قيادات في «التيار الحر»، و»القوات اللبنانية» الساعين الى «ثنائية مارونية – سياسية» تماماً كما لفت اليه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري (ارثوذكسي) لجهة ان «الثنائي الشيعي يتوجس من الثنائية المسيحية التي تجمع بين «التيار» و»القوات»، وأكثر من ذلك، فقد ذهب مكاري بعيداً الى حد اتهام الثنائي «أمل» و»حزب الله» بتفاقم الخشية من «الغزل بين «الثنائي المسيحي» و»المكون السني» (تيار «المستقبل»)، وما يمكن ان يقود اليه من «ترويكا جديدة.. يكون الشيعة خارجها..»؟!
يواصل الافرقاء حبك السيناريوات، والبعض يعود الى مرحلة ما قبل انتخاب العماد عون ويؤكد ان «حزب الله» لا يريد رئيساً وهو يفضل الفراغ الذي يخدم مشروعه، وهو، أي «الحزب» عندما انتخب العماد عون رئيساً للجمهورية، تمعن كثيراً في خطاب القسم الذي وازن بين اتجاهين، محاربة الارهاب التكفيري و»إسرائيل» والنأي بلبنان عن صراعات الخارج.. فلم يجد ضالته المنشودة.. وتعززت لديه «نقزة» مما ستكون عليه سياسة الدولة اللبنانية الخارجية وتحديداً – بعد زيارة الموفد السعودي الرسمي الأمير خالد الفيصل لبيروت في مهمة، أبعد من تهنئة الرئيس عون، تفتح الباب على مصراعيه لاعادة العلاقات الى طبيعتها بين لبنان والسعودية وسائر دول الخليج، مشفوعة بدعوة الرئيس عون لزيارة الرياض، وقد وعد بتلبيتها بعد تشكيل الحكومة.
الواضح حتى الآن، ان «حزب الله» لا يقيم اعتباراً يذكر لما آل اليه حجم «القوات اللبنانية» في الساحة المسيحية، فالأمر متروك لسائر القوى والتيارات والاحزاب في تلك الساحة، لتقرر ما يخدم مصالحها ويحفظ كيانها ودورها المعرّض للتهميش، وان كان الرئيس بري بادر وأخذ على عاتقه مسألة تمثيل النائب سليمان فرنجية في الحكومة بما يليق ودوره وما يتطلع اليه مستقبلاً.. كما لا يثير قلقه التقارب الحاصل بين «القوات» و»التيار»، خصوصاً وأن قيادات هذا الأخير، التي تتمسك بما حققه هذا التقارب من نتائج، فإنها في الوقت عينه تخشى ان ينعكس ذلك سلباً على العلاقات المستقبلية ويكون على حساب «التيار»..
ليس من شك في ان تأليف أولى حكومات العهد الجديد يواجه عقبات وعراقيل من غير جهة ومن أكثر من فريق.. والأنظار تتجه الى ما ستكون عليه المخارج المطلوبة، والقوى السياسية كافة تتقاذف كرة التعطيل، من دون ان تبيح عن الأسباب والأهداف الحقيقية، التي من بينها قطع الطريق على «الرئيس القوي» العماد عون ان يكون له ما يريد من التمسك بالميثاقية وحرفية «الطائف» واعادة الصلاحيات لرئيس الجمهورية، حيث لا يمكن ان يكون الرئيس قوياً فقط في الشارع، بل لا بد وأن يستند الى صلاحيات دستورية تعزز من قوة شعبيته وقوة تحالفاته، وهي مسألة ستكون في رأس برنامج حركة الوزير باسيل المتوقعة مفوضا بصلاحيات مطلقة من الرئيس العماد عون..