لندن-
نخطىء إذا نحن إفترضْنا أن المخاطر الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية وضمن مخطط مرسوم وتوقيتات مدروسة، يمكن أن تزول لمجرد حدوث تهدئة من الأرجح أنها تمت مسايرة للإدارة الأميركية التي هي في أشد الحاجة إلى المساندة المعنوية والمالية الإسلامية والعربية لها، أو ربما لأن الحكومة الإسرائيلية رأت أمام الصمود المقدسي الإيماني المدعم بالغضب الفلسطيني الشامل على الإجراءات الإسرائيلية، أن «إنتفاضة الأقصى» لا بد ستحدث ولا تقتصر على الإحتجاجات وأنها، أي حكومة نتنياهو إذا كانت قادرة على التصدي ﻟ «إنتفاضة فتية الحجارة» فإنها إزاء إندلاع «إنتفاضة الأقصى» ستجد نفسها أمام وضْع بالغ الصعوبة، ذلك أن المسألة هنا متصلة بواجب ديني على كل مسلم فلسطينياً كان أو غير فلسطيني. فالمسجد الأقصى هو الحرَم الثالث وهو في حالة إحتلال أصلاً الأمر الذي يؤرق ضمائر المسلمين عرباً وغير عرب. وفي حال بدأت «إنتفاضة الأقصى» فإن مداها سيتجاوز فلسطين المحتلة وفي هذه الحال لا يعود التعبير عن المساندة كلمات إستنكار ولا زجاجات ماء بارد وعُلب أطعمة يتم إيصالها إلى الصامدين أمام الإسرائيلي المعتدي الذي يمنعهم من دخول المسجد وفق المألوف ويصر أن يكون عبْر مداخل مكهربة وإلكترونية، وإنما يصبح التعبير تظاهرات متواصلة في كل بلد عربي وإسلامي وفي كل دول العالم حيث هنالك مسلمون ومساجد لهم.
وإستباقاً لتداعيات قد تنشأ عن إستمرار الفعل الإسرائيلي نجد حكومة نتنياهو تبدي بعض التعديل في النهج الذي بدأتْه وكان يمكن أن يؤسِّس لحدوث ربيع روحاني مئة في المئة يمكن تسميته «ربيع المسجد الأقصى».
ما بات مألوفاً عن نتنياهو أنه ماكر. وعلى هذا الأساس فإنه في الوقت الذي إعتمد بعض التعقل كان يهيء نفسه لمعاودة إعتماد الإجراءات المرفوضة إسلامياً. وفي هذه الحال لن يكون الرئيس محمود عباس (عافاه الله وعافى مستشاره صائب عريقات)، هو الوحيد الذي يتخذ موقفاً رسمياً في شأن العلاقة الملتوية أصلاً مع الكيان الإسرائيلي ويلمح إلى إحتمال وقْف التنسيق الأمني من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية، ذلك أن الأطراف العربية التي بينها وبين إسرائيل إتفاقيات سلام(مصر والأردن) أو علاقات تجارية (قطر علناً ودول أُخرى سراً) ستجد نفسها تجمِّد العلاقات.. هذا إلاّ إذا كانت حالة الإستهانة الإسرائيلية بالحرم الثالث ستحمل الجميع على إتخاذ وقفة تتسم بعزة النفس وترجمة معاني الإسراء ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
ومما لا شك فيه أن عشرات الألوف المسلمين عرباً وغير عرب الذين بدأوا هذه الأيام المبارَكة الطواف حول الكعبة المشرفة تمهيداً للوقوف على عرفة للدعاء والإستغفار، وتشرَّفوا بزيارة المسجد النبوي الكريم في المدينة المنوَّرة، يشعرون بغصة في الحلق ودمعة في العين كيف أن الحرم الثالث في الأسر ولا مِن فرسان مؤمنين يفكون أسره.
… وللحديث بقية.