يتوقّع وزير الخارجية السابق فارس بويز أنه، وبعد نهاية حرب غزة، سيتم التوصل إلى “آلية حتمية قد تكون في مضمونها أقلّ من مؤتمر “مدريد”k الذي كان يطمح الى سلام عادل ودائم وشامل، وأكثر من تفاهم نيسان الذي كان يطمح حصراً الى ترتيبات أمنية وعسكرية. ويقول لـ “الديار”: “لا يمكننا أن ننظر إلى الواقع الداخلي في لبنان بعناوينه العريضة، من رئاسة جمهورية وغيرها، بمعزل عما سيكون موقع لبنان في التوازن الإقليمي المستقبلي، بحيث ان الواقع اللبناني اقترن بالواقع الإقليمي بعد حرب غزة، وهو أصبح مضطراً الى انتظار هذا الشكل الذي سترتديه الحالة المناطقية بعدها. وعلى هذا الأساس قد يُفرَج عن ملف رئاسة الجمهورية، ولو لم ينتظر هذا الأمر التفاصيل، ولكن على الأقلّ بالخطوط العريضة. في لبنان انتخاب الرئيس ليس من الشعب، هو اختيار يقوم المجلس النيابي آخذاً بعين الاعتبار التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية، هكذا كانت تتم الأمور داخلياً وهذا هو الحال، ومن هنا يصعب علينا أن نتصور تصميم صورة رئيس جمهورية بمعزل عن صورة لبنان بموقعه المستقبلي في المنطقة”.
وحول وظيفة وهوية الرئيس المقبل، يرى “أن الظروف تحدِّد الوظيفة، ولكل ظرف رئيس، فلا يوجد رؤساء في لبنان لكل الظروف، الرؤساء يتناسبون مع الظروف التي ستطرح، فإن نجح نتنياهو في هذه الحرب لا سمح الله، هناك صورة رئيس معينة ستفرض نفسها، وإن نجحت حماس وسقط نتنياهو وسقطت حكومته هناك صورة أخرى، وإن تَعِب الإثنان دون أن يكون هنالك خاسر مطلق أو رابح مطلق فلهذا الظرف رجالاته. من هنا لا أعتقد بأن موضوع الإنتخابات الرئاسية سيحلّ قبل أن تتضح صورة حرب غزة. وما هو أكيد أن لبنان من المفترض عندئذٍ، وأنا من دعاة انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، ولكن عندما تبدأ ملامح الحالة الإقليمية بعد حرب غزة، على لبنان ـ وهذا أمر مصيري ـ أن يكون جاهزاً، وأن يكون له رئيساً قادراً على التعاطي مع المرحلة المقبلة، ليس فقط رئيساً نتيجة التوازنات الداخلية، بل رئيساً قادراً على التعاطي مع المرحلة المقبلة، وإلا فإن لبنان وخلال ترسيم المنطقة، سيفقد موقعه وحقوقه”.
وعن أسباب هذه القراءة، يشير إلى “أن الحروب ليست إلا أدوات سياسية، فهي ليست هدفا بحدّ ذاتها، إنما هي وسيلة للوصول إلى موقع معين في السياسة، وهذه الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وأعتقد عاجلاً، وستفتح الباب أمام آلية لحل ما يمكن حله، وهذه الآلية يمكن أن تكون مدريد أي آلية سلام عادل ودائم وشامل وموسع، ويمكن أن تكون بأقل معيار ما يسمى بتفاهم نيسان، أي ترتيبات أمنية وما شابه، ولذلك، يجب أن يكون لبنان جاهزاً عندما يبدأ البحث بهذه الآلية”.
ويضيف “أن هذه الحكومة “الإسرائيلية” تحتضر نتيجة قضية الرهائن ونتيجة الهزائم، كونها لم تستطع بعد لا السيطرة على غزة ولا على الأنفاق، ونتيجة الإنهيار الإقتصادي داخل “إسرائيل”، ونتيجة انقسام المجتمع اليهودي في الداخل “الإسرائيلي” وفي الخارج، والذي يخفِّف من حجم الضغوطات “الإسرائيلية” على الدول الأجنبية”. وبالتالي، يرى أن “هذه الحكومة ستضطر الى ترك المجال أمام مجيء حكومة أخرى، وهذه الحكومة يجب أن تكون حكومة معتدلين، أو حكومة ائتلاف بين المعتدلين، تستطيع التعاطي في حلول أساسية كحل الدولتين، ولبنان سيكون حتماً جزءاً من هذا الموضوع. من هنا، أتوقع أن يكون للبنان موقع ودور في هذه المفاوضات، هذا بالإضافة إلى العنوان الثالث الذي سيكون العنوان الإقليمي الذي سيضم اليمن والعراق، والذي قد يحتاج إلى تفاهم أميركي ـ إيراني مباشر”.
وما إذا كنا نمرّ في أصعب مرحلة بتاريخ البلد، يبدي خشيته على لبنان، معتبراً أنه “ما من بلد في العالم يواجه هذا الكمّ من التحديات بغياب رئيس الجمهورية، وبحكومة مستقيلة وبفراغ معظم المواقع الإدارية الأساسية، وبهذا الإنقسام السياسي الداخلي الكبير فهذا حتماً أمر مخيف، ولكن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا تُطبّق عليه مبادئ العلوم السياسية التقليدية، فهو بلد العجائب السياسية، فعبر تاريخ لبنان مرّت البلاد مراراً وتكراراً بغزوات، وكان يعتقد بأن البلد قد سقط ومن ثم كان يعود وتعود الدولة، وهنا لا أعتقد أن هناك مصلحة لأحد أن يفقد لبنان نوعاً من حياديته، وأن يصبح مع فريق بوجه فريق آخر”.
إذاً أنت مع حياد لبنان؟ يجيب “بهذا المفهوم نعم، ولذلك أقول رغم كل الصورة السوداء قد يحصل نوع من انقلاب إقليمي كبير، ونوع من تفاهمات إقليمية تعيد لبنان إلى الحياة وبشكل قد يفاجئ الجميع”.
وهل يعود لبنان الذي عرفناه؟ يقول: “ليس بالضرورة الذي كنا نعرفه إنما شبيه به، ولكن روحية وجود لبنان لا تخضع للحسابات التقليدية السياسية”.
وبالنسبة لإمكانية حصول حرب، يرى أنه “من الممكن حصول حرب لأن نتنياهو يريدها، والولايات المتحدة ترفضها، كما أن واشنطن تعتبر أن هكذا حرب تورّطها مع طهران، وهي لذلك تمارس الضغط على إسرائيل لمنع ذلك”.
وعن موعد انتخاب الرئيس المقبل، يعتبر بويز “أن موضوع غزة سيتبلور قبل نهاية حزيران، وأن هذا الأمر قد يُفرِج عن الرئاسة في لبنان، ولذلك، أعتقد بأن هناك حظوظاً كبيرة بأن تحصل هذه الرئاسة في ما يقارب حزيران المقبل”.