Site icon IMLebanon

“الوضع المسيحي لا يسمح بالأخطاء لأنّه مميت جراء التوازنات الحاليّة” بويز لـ “الديار”: إذا لم يتم التوافق لبنان إلى الهاوية والخطر الكبير نمرّ بمرحلة تاريخيّة وتغيير خرائط قد تؤدي إلى حرب عالميّة ثالثة 

 

 

 

يناقش وزير الخارجية السابق فارس بويز، في أزمة رئاسة الجمهورية، فيرى أن “معركة الرئاسة تتوقف عند مشكلة كبرى، وهي أن هناك تناقضاً بين مواقف الفرقاء وبين واقع الفرقاء، مواقف الفرقاء توحي بأن جميع الفرقاء منتصرون، بينما لا أحد منتصر، والواقع يقول بأن لا أحد منتصر، لذلك المطلوب أن يتفاهموا على حلّ يرضي الجميع، دون أن يسجّل أحداً انتصاراً على آخر، فما لم يتفهّم الفريقان الأساسيان هذا الوضع لا رئيس للجمهورية، ولبنان مأخوذ إلى حافة الهاوية والخطر الكبير”.

 

وفي حديثٍ لـ “الديار” يكشف الوزير السابق بويز، أنه “من دون أي شك وكيفما انتهت قضية غزة، ستحصل مشاورات حول موضوع الحدود الجنوبية، وسيعود هوكستين إلى لبنان ليدرس موضوع شبعا وتلال كفرشوبا والخط الأزرق والـ 13 نقطة المختلف حولها، فمن سيوجِّه هذه المشاورات في غياب رئيس الجمهورية الذي يتولى المعاهدات والإتفاقات والمفاوضات، وفي غيابه لا يمكن حل هذه المشكلة، كذلك فقد تبين بالأمس من صندوق النقد الدولي، أن لا إمكانية للتفاهم مع لبنان في ظل غياب السلطات الشرعية، لذا عبثاً الحديث عن هذه الأمور والكذب على الناس أن هناك خططاً مالية وغيرها، فلا يوجد أي خطة ولم يتم إعداد أي أمر على المستوى المالي والإقتصادي حتى هذه اللحظة، لسبب بسيط أن لا وجود لسلطة أو حكومة، والمجلس النيابي لا يشرِّع إلا بالضرورة القصوى، لذلك، لا قدرة على مواجهة الأزمة الإقتصادية ولا التطرّق إلى الملف الأمني ولا معالجة موضوع اللاجئين السوريين، إلاّ بانتخاب رئيس الجمهورية”.

 

وعن طروحات الفيديرالية، يشدِّد بويز، على “وجوب عدم التهديد بسلاح مُعطَّل، أولاً لأن أي تقسيم يستلزم رضى الفريقين وليس فريقاً واحداً، ويستلزم رضى الدول المجاورة، فمن قال أن إسرائيل تريد دولة مسيحية بجانبها، وهل تقبل سوريا بوجود دولة إسلامية في الشمال مثلاً، هذا إذا افترضنا أن التقسيم ممكن جغرافياً ومادياً وفعلياً، وأيضاً يجب عدم الإنخداع بعناوين رنّانة، فأنا لست ضد الفيديرالية، ولكنها لا تحلّ أي مشكلة، فحتى في الولايات المتحدة الأميركية، لم تتمكن الفيديرالية من الإستمرار أمام الهجرة المكسيكية، أصلاً في لبنان نعيش نوعاً من الفيديرالية الطائفية، فكل من يتزوّج ويُطلِّق ويورِّث حسب قوانين طائفته، فقانون الأحوال الشخصية غير موحّد في هذا السياق، وفي كل تاريخ لبنان كنا نعاني من مشاكل مفصلية وأساسية لها علاقة بالخيارات الوطنية الكبرى، مثلاً فإن صعود عبد الناصر وتيار القومية العربية سبّب نقزة لدى المسيحيين من هذا الحجم والدور، واصطفوا وراء الرئيس شمعون، بما يسمى حلف بغداد الأميركي ودخل البلد بصراع، وهذا لا تحلّه الفيديرالية، وفي العام 75 انقسم لبنان بين من هو مؤيد للعمل الفدائي، ومن يعارض ذلك، وانقسم لبنان، وحتى لو كان هناك فيديرالية لكان الإنقسام بين كانتون مع العمل الفدائي وآخر يعارضه. واليوم البلد منقسم بالشكل نفسه بين من يرى أن المقاومة ضرورة، وفريق آخر يرى أنها إيرانية ولا تحمي لبنان”.

 

وانطلاقاً من ذلك، يجد بويز أن “الفيديرالية لا تحلّ مشاكل السياسة الخارجية التي تعصف بالبلد، لذلك كنت أقول دائماً أنه إضافة لصفات وزراء الخارجية في شتى أنحاء العالم، وزير خارجية لبنان له وظيفة أساسية، فوظيفة وزراء الخارجية هي أن يأخذوا القرار الوطني ويسوّقوه في الخارج بكمية من الذكاء والديبلوماسية والحنكة، أما وظيفة وزير خارجية لبنان، إضافة إلى ذلك، هي بخلق سياسة خارجية توحِّد البلاد ولا تقسّمها وتفجّرها، ومن ثم تسويق هذه السياسة”.

 

ويؤكد بويز، أنه “على الجميع فهم أن هذا البلد لا يمكنه، على الأقل في المدى المنظور، العيش إلا موحداً، ويجب خلق توازن معقول، لأنه ليس بإمكان أي طرف الحديث عن هيمنة، فيجب خلق صيغة، وحتى هذه اللحظة رغم بعض السيئات، يبقى أن لا بديل عن اتفاق الطائف، فهو اتفاق حول صيغة موحدة وهي الممكنة والمعقولة، يمكن تطويره بعض الشيء أو تطويره بالتفاهم بين الأفرقاء اللبنانيين، لأنه ليس مُنزلاً، ولو أن الشيخ بشير الجميّل وجد صيغة أخرى غير ألـ 43، كان مشى بها، إلا أن الصيغة التي تحدّث عنها هي الـ 10452، وهذا ليس حباً بهذا الشعار بقدر ما هو استنتاج واقعي من قبله للأمور”.

 

ويشير بويز إلى أن “المنطقة تمرّ بمرحلة تاريخية، وقد يتم تغيير خرائط وتركيبات وتوازنات هذه المنطقة برمتها، والعالم أيضاً يمر بمرحلة إنقلابات وتطورات قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، لأننا برأيي على أبواب حرب عالمية ثالثة، بين مشكلة تايوان وكوريا الشمالية وأوكرانيا وحرب الدولار ومشكلة النفط وتفوّق الصين على أميركا ربما في السنوات المقبلة الشيء الذي لن تتقبّله أميركا، فنحن على شفير صدام عالمي، وأيضاً المشكلة في الشرق الأوسط، الصراع الأميركي ـ الإيراني، ومشكلة باب المندب ومضيق هرمز والتجارة العالمية وغيرها”.

 

وحول ملف النزوح السوري، يقول بويز أن “حلّ موضوع اللاجئين بحاجة لسلطة بإمكانها التواصل مع النظام السوري ومع أوروبا، وأن تتفاهم مع سوريا على ضرورة عودة اللاجئين، وتتفاهم كسلطة وكدولة وليس كأفراد، وأن يزور رئيس جمهورية لبنان سوريا للتفاهم على خطوط عريضة يتبعه الوزراء المختصون، وإلاّ، لن يكون حل في هذا الموضوع، وكفى تكاذباً على بعضنا، فهل بإمكان الأمن العام إخراج مليوني سوري من لبنان؟ لا أعتقد، وإلا سيتفاقم هذا الملف، لا سيما أن نسبة الولادات السورية تفوق ألـ 40% سنوياً، أي كل سنة يولد 800 ألف”.

 

ويتوجّه بويز إلى القوى السياسية، محذِّراً من “أننا ذاهبون إلى مكان فيه خطر من سقوط الهيكل على رؤوس  الجميع، وعلى الوضع الدولي إعطاءنا دفعاً قوياً لانتخاب الرئيس، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من التأخير الحاصل في انتخاب الرئيس سببه عدم شعور الفرقاء بأن هناك تفاهماً إقليمياً حول هذا الموضوع، ومن هنا فاللجنة الخماسية تمارس لعبة تضييع الوقت، لأنها هي نفسها ليست منبثقة من قرار خارجي حاسم”.

 

وعن الواقع المسيحي اليوم في ضوء الشغور الرئاسي، يرى بويز إنه “لم يعد مسموحاً للقيادات المسيحية أن تخطئ في حساباتها بعد اليوم، لأنه في الماضي كانت كلفة سوء الحساب خسارة بسيطة جراء قوتهم وحجمهم وحضورهم، أما اليوم فقد تبدّلت الظروف، وثانياً ليس من المسموح إعطاء أنفسهم حجماً أكبر من حجمهم بسبب الواقع الموجود على الأرض، وثالثاً، لا يمكنهم التصرّف وكأنهم لا زالوا في العام 1920، لأن هناك واقعاً تبدّل، ففي الماضي كانت القوة في الغرب، وكان المسيحيون والموارنة بشكل خاص، على علاقة وطيدة مع هذا الغرب، الآن معظم القوة أضحت في الشرق، في المملكة العربية السعودية وإيران، حيث النفوذ المالي والأمني، والغرب اليوم يعيش أزمة حضارة حقيقية وغير معني بالنهج الذي كان موجوداً في الماضي، ففرنسا تعيش همّ الضرائب حتى الصغرى منها، ولم يعد لديها طموحات للعب أدوار كبرى، وهذه انتهت مع ديغول آخر رئيس فرنسي كان يطمح بدور كبير لفرنسا، وبعد ديغول اصطفت فرنسا خلف أميركا وانتهى هذا الموضوع”.

 

لذلك، يؤكد بويز أن “الخطأ ممنوع بالنسبة للمسيحيين لأنه مميت في هذه المرحلة المصيرية، وفي الماضي لم يكن مميتاً بحيث كان المسيحيون يلعبون على التناقضات الدولية، وعلى موازين القوى وكانت قوتهم الذاتية تسمح لهم ببعض الهزائم والأخطاء، أما الآن لم يعد وضعهم يسمح بهذه الأخطاء، ولا التوازنات الدولية تسمح بها”.