تنشط ماكينة القوات اللبنانية في قضاء جبيل لتضييق الخناق على النائب السابق فارس سعيد. تتخوف من تفلّت الأصوات، ولا سيّما المشتركة بينهما، لمصلحة سعيد. لذلك، تريد الحدّ قدر الإمكان من «الخسائر». أما هو فيُصرّ على محاربة «وصاية» الأحزاب على بلاد جبيل
دُعي أحد الملتزمين في القوات اللبنانية، في العاقورة، إلى لقاء حزبي بمُشاركة مُرّشح «القوات» في دائرة كسروان ــ جبيل زياد حواط. القواتي المُقرّب في الوقت نفسه من النائب السابق فارس سعيد، ردّ ساخراً: «إذا وجدت زوجتي الانتساب، فسأحضر، وإذا لم تجده فلن أُشارك». لم تكن البطاقة الحزبيّة وحدها المقصودة، بل كلّ ما تعنيه كلمة «انتساب» من التزام حزبي وسياسي وانتخابي مع القوات اللبنانية.
لا يعني ذلك أنّ المئات سيُمزقون بطاقات انتسابهم إلى «القوات»، أو أنّ الثورة ستُعلن بعد غدٍ ضدّ قيادة معراب. فحزب سمير جعجع تجاوز الموجة الاعتراضية الأولى، التي نتجت من إعلان «القوات» تبنّي ترشيح رئيس بلدية جبيل السابق، وتهديد عدد من الهيئات المحلية بالاستقالة. ولكن ابن العاقورة هو يمثل عيّنة من القلّة التي حسمت خيارها بين الحزب الذي «أنزل بالمظلّة مُرشحاً من خارج بيئته»، وبين السياسي التقليدي الذي وقف طويلاً على يمين القوات اللبنانية. تُدرك قيادة معراب جيداً أنّ المُنافس الأول لها في قضاء جبيل، ليس التيار الوطني الحر، بل فارس سعيد. الاثنان «يأكلان من الصحن نفسه». والمُنسق السابق للأمانة العامة لقوى 14 آذار يحظى بقاعدة شعبية ــ انتخابية، جيدة نسبياً، في الجرد الجُبيلي، ويُحاول أن يزاوج بين دوره كـ«مُنظّر» سياسي، يُساهم في تسويق الخطاب السعودي في لبنان، وبين كونه الشخصية الخدماتية صديقة المزارع الجُبيلي.
الشغل القواتي لإقفال مزراب تسرّب الأصوات لمصلحة سعيد، بدأ منذ فترة. العمل يقوم به بشكلٍ أساسي حواط، وتُعاونه فيه الأمينة العامة للحزب شانتال سركيس، انطلاقاً من «تفعيل شبكة الاتصالات، ودقّ الأبواب بيتاً بيتاً، وصولاً إلى عقد اللقاءات مع الناخبين». تقول مصادر سياسية في جبيل إنّ الطبق الرئيسي لهذه اللقاءات هو أنّ «القوات تُريد مُرشحاً لها. وسعيد لا يقوم سوى بمزايدات على الحكيم (رئيس الحزب سمير جعجع)». وإضافةً إلى التجييش السياسي ضدّ سعيد، تُحاول القوات اللبنانية، عبر حواط، ترسيخ وجودٍ خدماتي لها في المنطقتين الوسطى والجبلية.
مصادر «القوات» في جبيل، التي لا تتبنّى مواقف عدائية تجاه النائب السابق، تعتبر أنّه «لا يوجد تشنّج مع سعيد، مُجرّد اختلاف على عددٍ من النقاط. هو اليوم خصم في اللعبة الانتخابية». تؤكد المصادر الالتزام الحزبي بخيار معراب، «سعيد موجود ولديه قواعده، تماماً كالقوات وحواط، وكلّ واحد سينال على قدر حجمه».
أسبابٌ عديدة دفعت «القوات» إلى الاستغناء عن حليفها السابق، منها موقفه من التسوية الرئاسية، ورفضه «البَصم» معها. وهو لا يزال مُصراً: «نريد صداقة الأحزاب وليس وصايتها. لم يتقبل الناس قصّة الوصاية على جبيل والطريقة التي رشّحت فيها القوات حواط». يشرح زواره وجهة نظره بأنّ حزب الله يُقدّم «مشروعاً سياسياً وأيديولوجياً، مع تأمين مصالح الناس. وليد جنبلاط زعيم أقلوي، ولكن مع نظام مصالح لأبناء الجبل. مسيحياً، هناك أحزاب محترمة ولديها وجودها، من دون أن تكون قادرة على تأمين المصالح». يبدو أكيداً أنّ الناس لن يقبلوا الوصاية، كما يُسميها، مع إدراكه أنّ هذا الأمر وحده «لا يُربحنا الانتخابات». لذلك، يتركز البحث حول إيجاد عنوان المعركة، «مثلاً ما هو دور كسروان ــ جبيل في المرحلة المقبلة؟».
ابن قرطبا يُصر على إعطاء بُعد وطني لمعركته المحلية، «لأنها إن كانت انتخابية صرف سيخسر. وأمام كارثة انهيار 14 آذار، واعتقاد حزب الله بأنّه انتصر، وتوجهه إلى إعادة تشكيل البلد بشروطه، يجب مواجهة الخيار الأخير، وجمع أكبر عدد من النخب السياسية تحت فكرة حماية الدستور والحفاظ على الجمهورية».
يريد سعيد قيادة جبهة «وطنية»، مع شخصيات محلية، همّها الأكبر كيفية دفع قسط مدرسة فلان، وإخراج علتان من السجن، وتزفيت هذا الطريق. «أنا أفتح أبوابي للجميع»، يُنقل عن سعيد. هو قريب من حزب الكتائب، «الذي أصبحنا نشعر بوجوده وغضب عناصره بعدما قرّرت القوات الانفصال عن 14 آذار». كسروانياً، اجتمع سعيد أخيراً مع النائب السابق منصور البون ومُرشح حزب الوطنيين الأحرار مارون الحلو، «في لقاء بداية الحوار، من دون أن تُحسم فيه التحالفات». أما بالنسبة إلى النائب السابق فريد هيكل الخازن، الذي أكّد لـ«الأخبار» سابقاً وجود إمكانية لتحالفٍ مع سعيد، فقد «ذهب إلى تيار المردة لأنه اعتبر نفسه يتيماً. ليعد الخازن إلى كسروان، وكلّنا إلى جانبه»، يُنقل عن «الأمين العام» لـ«14 آذار».
خلال الانتخابات النيابية عام 2009، «وتلبيةً لطلب الرئيس السابق ميشال سليمان»، حَرَم تيار المستقبل سعيد من الأموال الانتخابية. أجبره هذا التصرّف على بيع المُستشفى الذي ورثه عن والده في منطقة المتحف، قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات. حالياً، هناك قوى عديدة يهمّها إقفال دارة آل سعيد نهائياً، والبداية من القوات اللبنانية. وضع سعيد يبدو أضعف من الدورات السابقة، التي خسر فيها أيضاً، فكيف سيصمد هذه المرّة؟ «إذا تمكن أحد من إجراء حساباته في جبيل من دون أن يأخذني بعين الاعتبار، فليقُم بذلك».