بعدما لاحت في الأفق ملامح تحركات لسفراء “الخماسية” في بيروت استعداداً لطرح الإستحقاق الرئاسي على طاولة النقاش، تتطور المواقف الداخلية على خلفية الدعوة المتجددة التي أطلقها الرئيس نبيه بري إلى التشاور قبل انتخاب رئيس الجمهورية، كما الدعوة التي وجهها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لانتخاب رئيس الجمهورية أولاً ثم الذهاب بعدها إلى حوارٍ في مجلس النواب.
وهنا، يقرأ النائب السابق الدكتور فارس سعيد “تقاطعاً في طرحي الرئيس بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية”، على عكس الإنطباع العام السائد، وهذا التقاطع يتمثّل بأن الطرفين يعتبران أن لبنان بات بحاجة إلى حوار، فالرئيس بري يريد حواراً قبل رئاسة الجمهورية، بينما الدكتور جعجع يريد انتخاب الرئيس أولاً ومن ثم الحوار، إذا كان هناك لزوم لبعض التعديلات الدستورية، وذلك في ضوء إصرار البعض على ذلك”.
ويقول لـ “الديار” أن “الحوار قد حصل في اتفاق الطائف في العام 1989، على قاعدة 150 ألف قتيل سقطوا في الحرب و200 ألف جريح، إضافة إلى التهجير الذي حصل في أكثر من منطقة، وبنتيجة كل هذا الدمار والدم توصلنا إلى اتفاق الطائف، وهو صيغة أُدخِلت إليها التعديلات الدستورية، وتوصلنا إلى عقد إجتماعي ـ سياسي يقول إن لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والإنتماء”.
ويناقش خلفيات الحوار مؤكداً أنه “عندما يتوافق طرفان أساسيان، الطرف الشيعي المتمثِّل برئيس المجلس النيابي، والطرف المسيحي الذي يتكلم بإسمه رئيس أكبر حزب هو حزب “القوات”، على ضرورة إجراء حوار من أجل انتخاب رئيس، أو من أجل إعادة النظر بالصيغة، فهذا يعني أن هناك شبه خروج من وثيقة الوفاق الوطني، بمعنى أنه إذا ذهبنا إلى الحوار فإننا نعرف كيف ندخل إلى هذا الحوار، ولكننا لا نعرف كيف سنخرج منه، فمن يضمن لنا أنه حتى ولو انتُخب رئيس الجمهورية، بأن الطروحات ستتناسب مع طبيعة البلد لجهة احترام التنوع وصيغة العيش المشترك والمناصفة؟ فالتجربة علّمتنا أنه كل مرة أدخلنا على الدستور تعديلات إضافية بحجة غبن فريق أو سيطرة فريق آخر، فإن من يدفع الثمن هو المواطن العادي، وبالتحديد المسيحيين”.
وبالتالي، يجد أن “احترام الدستور واتفاق الطائف، يؤكد أن الموقف السليم هو بانتخاب الرئيس في صندوق الإقتراع، فلماذا الحوار بعد انتخاب الرئيس؟ فالذي يرفض الحوار على خلفية تجاوزه الدستور قبل الإنتخابات، عليه أن يرفض الحوار بعد انتخاب الرئيس لأن الحوار قد حصل، وتوصلنا إلى وثيقة الوفاق الوطني، إلاّ إذا كان هناك من يريد تجاوز وثيقة الوفاق الوطني تحت حجة أن هذه الوثيقة غير صالحة لتنظيم العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية “.
وانطلاقاً من هذا الواقع يرى سعيد أنه “إذا رفضنا مبدئية الحوار لرئاسة الجمهورية، فلماذا يجب أن نقبل مبدئية الحوار بعد انتخاب رئيس الجمهورية؟ واذا كنا ما زلنا نعتبر وخاصة “القوات” التي ضحت من أجل اتفاق الطائف، أن وثيقة الوفاق الوطني ما زالت صالحة لتنظيم العلاقات اللبنانية – اللبنانية، يجب أن نرفض أي حوار قبل وبعد الرئاسة، بينما إذا قبلنا بالحوار قبل أو بعد انتخاب الرئيس، فهذا يعني أننا نصفي وثيقة الوفاق الوطني ونعتبرها غير صالحة لتنظيم العلاقات اللبنانية – اللبنانية. وطرح جعجع عن حوار بعد الإنتخابات، لا يقدم الحل، لأن الحل بتطبيق الدستور ولا يجب الإلتفاف على الدستور، تارةً بحوار يسبق الإنتخابات الرئاسية أو بحوار بعدها، لأن الآليات الدستورية واضحة ولا تتطلب الحوار”.