Site icon IMLebanon

دويلة فارس سعيد وفائض قوّته

 

 

تأخّر كثيراً “حزب الله” في الإدّعاء على النائب السابق فارس سعيد. طوَّل باله وطنَّش عن واجباته الوطنية، ولكن بعدما طفح الكيل تبنّى نظرية “أن تأتي متأخّراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً”. فشمّر عن زنوده، وتوجّه الى القضاء اللبناني ليُعيد الأمور إلى نصابها، ويريح ضميره كمواطن صالح.

 

كان عليه أن يفعلها منذ مطالبة سعيد بـ”رفع الوصاية الإيرانية” عن لبنان، لا أن يحرِّض جيوشه الإلكترونية للردّ على كلّ حرف في تغريدات المتمرّد على الترويض، ولا أن يكتفي بتهديد الفنادق، ومنعها من تأجيره قاعةً لعقد مؤتمر.

 

ولا يتجنّى “الحزب” على الرجل المُتَّهم بتفضيله المواجهة على تدوير الزوايا. فجريمته تكمن في إصراره على الوفاء للدويلة اللبنانية بمواجهة الدولة الأمّ ورأس المِحور، الذي يحسب أنّ بإمكانه أن ينام على حرير عواصم أعلن أنه يسيطر عليها، ومنها بيروت، وهلّل مُعلناً أنّه صاحب أكثرية في برلماننا.

 

وقح هو عندما يتمسّك بالدويلة وسيادتها، وبالشرعية اللبنانية المنبثقة من الدستور واتفاق الوفاق الوطني في الطائف، وبالشرعيتين العربية والدولية ومقرّرات مجلس الأمن المتعلّقة بلبنان.

 

وقح عندما يحرّض الميليشيا التي يموّلها بـ”الكعك والزعتر” ليبيع مرتزقتها أنفسهم له ضدّ “الحزب” النزيه العفيف.

 

ومتهوّر هو عندما لا ينصت لنصائح يحملها “محبّون” يدّعون الحرص على مصلحته.

 

لذا، كان لا بدّ لـ”الحزب” من التصرّف حِيال هذا التهوّر بما يحسب أنّها “ضربة معلّم”، فيتوجّه الى القضاء اللبناني بذريعة أنّ سعيد يهدّد السلم الأهلي، ويستجلب الفتنة والحرب الأهلية، من خلال إتهامه بمسؤولية ما في جريمة تفجير المرفأ، مُتجاهلاً أنّ “الشمس طالعة والناس قاشعة”.

 

هذا في الشكل. أما في المضمون، فالأرجح أنّ مقاضاة سعيد، وفي هذه المرحلة التي تنعكس دقّتها الإقليمية على الداخل اللبناني، تندرج في أسلوب عمر بن أبي ربيعة حتى نحسب الهوى حيث ينظر، فيتمكّن من التعمية على كوارث مرتقبة من ضمن المسلسل الذي لا نزال نعيش حلقاته منذ 2005.

 

ولا ننسى أنّ قمة العمالة تتجلّى عندما يتجرّأ أمثال سعيد على المطالبة بزوال الوصاية الإيرانية، التي تستدعي، كما هو واضح، إخضاع “حزب الله” رعاياه لقضائه الخاص، وإعتداده في الخطابات الرسمية بجيشه الخاص الذي يتقاضى رواتبه بالدولار الأميركي، وترويجه لإقتصاده الخاص، حتّى قبل جريمة تفجير المرفأ، عندما كان يمكن الحصول على السلع في مناطقه بأسعار تشجيعية، لأنها تمرّ عبر المرفأ المنكوب بأمان قوى الأمر الواقع وسيطرتها على المعابر الشرعية وغير الشرعية.

 

ولا يضير “الحزب” أن يستشعر اللبنانيون بـ”خصوصيته” فيحسبون ألف حساب حتّى لا تنالهم هذه “الخصوصية” بضَيم أو ضرر. لكن ما يضيره هو يقينه بأنّ فارس سعيد من خلال دويلته وفائض قوّته، تجرّأ ويتجرّأ على مقاومة مخرز المِحور الذي يصادر لبنان، وبمنطق سليم ومتين.

 

لذا، لجأ الى القضاء اللبناني ليقتصّ منه، ويلقّنه ويلقّن غيره درساً وِفق الأصول الممانِعة، مُعتمداً إزدواجية المعايير. فقد سبق له وأعلن في أكثر من مناسبة عجزه عن ملاحقة ملفّات الفساد، التي يرعاها ويثيرها إستنسابياً، لأنّ هذا القضاء اللبناني لا يلبّيه.