Site icon IMLebanon

المزارعون يخسرون شهر التعويض: رمضان؟

يسقط المزارعون في لبنان شهر رمضان على كوارثهم: فتشوا عن تراجع الصادرات وتراكم المواسم.

بعض الراحة النسبية التي يشعر بها المواطن تجاه عدم ارتفاع الأسعار في شهر الصوم حتى الآن تختصر بالآتي: العرض في السوق يفوق الطلب بأضعاف، في وقت تدنَّت فيه الصادرات اللبنانية من أربعة مليارات و200 مليون دولار في العام 2010 إلى مليارين و800 مليون دولار حالياً. أما الضربة الكبرى فقد تلقتها الصادرات الزراعية التي تشكل 80 في المئة من مجمل صادرات لبنان إلى الدول العربية التي انتهت فعلياً مع الأزمة السورية.

وبالتالي، فقد شهر رمضان صفته «التعويضية» على المزارع بعدما كان التلفظ بموعد بدايته كفيلاً بمضاعفة الأسعار بمعدلات يعجز معها البعض عن تحضير صحن «فتوش» على مائدة الإفطار.

عاد رمضان هذه السنة ومكونات «الفتوش»، من الخسة إلى غيرها من الحشائش، مستقرة على أسعارها. لا بل إن المؤشرات المنشورة على موقع وزارة الاقتصاد توثق تدني الأسعار عموما بنسبة 0.6 في المئة هذا الإسبوع عن الإسبوع المنصرم، وبنسبة 8 % عن الفترة نفسها من العام الماضي. ينسحب الانخفاض نفسه على لحوم الدواجن التي انخفضت 4% عن الإسبوع الماضي و15 % عن العام الماضي. وفيما استقرت أسعار اللحوم الحمراء البلدية على ما كانت عليه، انخفضت المستوردة منها بنسبة 6 %.

ارتياح الناس لثبات، أو انخفاض الأسعار، لم ينسحب إيجابا على حركة الفنادق وحجوزات الطيران إلى لبنان. الحركة في شركة طيران الشرق الأوسط تسير بوتيرة طبيعية لجهة تكثيف الرحلات وإرسال طائرات كبيرة إلى الدول العربية لنقل المغتربين الراغبين بقضاء العيد مع عائلاتهم. لا حجوزات استثنائية في الفنادق، ولا إقبال عربيا ملحوظاً على قضاء الشهر الفضيل في لبنان.

ثبات الأسعار في رمضان له أسبابه التي تصب إيجاباً في صحن المواطنين، فيما تقرع طبول الحرب على مستقبل المزارعين جنوبا وبقاعا وشمالاً. يعمد بعض هؤلاء إلى حراثة حقول الحشائش لأن أسعارها لا تؤتي كلفة «الحواش»، فيما يترك آخرون ثمار الدراق والتفاح «على أمها» لأن شجرة تنوء بحمولتها لن تؤمن كلفة قطافها.

ولم تتمكن مساهمة «إيدال» في دعم التصدير بحراً، والتي تبلغ نحو 60 مليون دولار في السنة لتطال نحو عشرين ألف «كونتينر» بسعة عشرين طنا للبراد الواحد، من حل أزمة المزارع. في المقابل، لم تكن حركة التصدير إلى الدول العربية (نصفها نحو سوريا والعراق) تقل مع بداية شهر رمضان عن أربعة آلاف طن من الحشائش والخضار والفواكه يومياً تزامناً مع ارتفاع الأسعار ايضاً. وكان شهر الصوم مناسبة لتعويض المزارعين خسائر كثيرة بسبب الطقس (صقيع أو بَرَد أو موجات حر) أو أمراض من شأنها ضرب إنتاجهم.

اليوم هذا هو الحال: سعر الخسة الذي كان يقفز من 500 ليرة قبل رمضان إلى ألف ليرة «في أرضها»، صار اليوم 250 ليرة من عند المزارع لتباع ركيزة صحن الفتوش بـ400 إلى 500 ليرة في بعض «السوبرماركات» الكبيرة، بينما لم تتجاوز نوعية الباب الأول الألف ليرة «واصلة» إلى المستهلك. أما صندوق البقدونس الذي يحتوي على نحو 25 باقة «باب أول» فلا يباع بأكثر من ألفي ليرة إلى ثلاثة آلاف ليرة.

ولكن الضربة الكبرى أيضاً تلقاها مزارعو البطاطا في عكار مع سماح وزارة الزراعة بدخول نحو 66 ألف طن من البطاطا المصرية إلى لبنان عشية بدء موسم البطاطا العكارية، منها 11 ألف طن في اليوم الأخير لفترة السماح. وفيما تمتلئ برادات عكار بالبطاطا التي لا يتجاوز سعر الكيلوغرام منها الـ250 ليرة، يمسك مزارعو البطاطا في البقاع قلوبهم بأياديهم على بعد 15 يوماً من بدء قلع مواسمهم، خوفا من أن يتدنى سعر الكيلوغرام إلى مائتين أو 150 ليرة، ليضطروا إلى تركها تحت الأرض، بعدما صار «العكاري» يقايض كيس البطاطا وزن 10 كلغ بعلبة دخان.

وقد سجل سهلا البقاع وعكار الموسم الأفضل هذا العام، فيما لم يؤثر الطقس السلبي على الإنتاج، ومع بعض الأمل الذي اعترى المزارعين، مع بداية بذر مواسمهم، بإمكانية إعادة فتح الخط البري عبر سوريا، لتتحول نعمة الإنتاج الغزير إلى نقمة، حيث يباع «رأس» موسم الكرز بـ 2500 ليرة للكيلوغرام الواحد، بينما كان يلامس الـ10 آلاف مع بداية موسمه في رمضان الماضي. ومثله النوعية الممتازة من الدراق والخوخ والتفاح.

يتخوف المواطن اليوم أن لا تنسحب بداية رمضان «الرحيمة» على بقية أيامه، وأن يستأنف الوسطاء بين المزارع والمستهلك عادتهم في «الجشع» واللعب بالأسعار، عندها لا بد لوزارة الاقتصاد من استعمال صلاحيتها المنصوص عليها في القرار 277/1 والذي يخولها مساءلة هؤلاء عن سعر الكلفة، وفق فواتير موثقة مقارنة مع نسب الأرباح، لتنظم محاضر ضبط بالمخالفين الذين تتعدى أرباحهم المئة في المئة، بعد احتساب الكلفة الإجمالية للسلعة.