رمضان المبارك يوحّد المشاهدين على شاشات التلفزة بالمسلسلات الرمضانية، لكنه لا يوحّد المسلمين والعرب في السلم والحرب على أرض الأزمات. حل الشهر الفضيل، ولم يتوقف الاقتتال في أي مكان على سائر الخواصر المفتوحة في القارة العربية، ولا حتى في هدنة قصيرة المدى، إن لم يكن إجلالاً لحلول المناسبة المباركة، فأقله من أجل التقاط الأنفاس! وغالباً ما يتوهم أطراف الصراع أنهم أسياد أنفسهم في اتخاذ قرار السلم والحرب. وغالباً ما يتسرعون في اتخاذ قرار الحرب موهمين أنفسهم بنصر حاسم وسريع، وسرعان ما يكتشفون أنهم غطسوا في دوامة لا قدرة لهم، لا على مقاومتها، ولا على الخروج منها!
***
لم تعد نكسة السادس من حزيران مجرد ذكرى، بل هي تحولت الى واقع متفاعل ومستمر ومتدحرج الى الأسفل، حتى يومنا هذا. وأوضاع العرب اليوم أكثر سوءاً بكثير من ذلك اليوم الأسود من العام ١٩٦٧! في ذلك الحين، كان الأمل أكبر من اليأس… فلو كان ما حدث يُنظر اليه على أنه انتكاس عابر في ذلك الحين، فقد انطوى على أمل باستعادة العافية. أو أنه هزيمة فيمكن تعويضها بانتصار لاحق. أو انه سقوط موقت فيمكن لاحقاً استعادة القدرة على النهوض. وكانت فحوى المؤامرة في ذلك الحين فرض قرار الاستسلام على الأمة كلها، وليس على مصر وحدها!
***
المؤامرة اليوم أشد وأدهى. لم تعد ارادة فرض الاستسلام على الأمة، زاحفة عليها عسكرياً من الخارج، وانما تحولت الي انفجار بركاني صاعد اليها من الباطن… والكل يقاتل اليوم الكل على أرض الوطن الواحد الكبير، وداخل الأوطان المفروزة شققاً من مكونات الوطن الأوسع. وتحول الأشقاء الى أعداء يقاتل بعضهم بعضاً حتى الفناء. وتحول العدوّ الى حليف يؤازر الشقيق على قتل شقيقه اما داخل كل وطن صغير على حدة، واما على مساحة الوطن الكبير… والمسرح الكبير يجري اعداده اليوم من اجل فرض الاستسلام الكبير على الأمة جمعاء!