ولا مرة كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية على تماس مباشر مع قضايا العرب مثلما هي اليوم. وقمّة تلك القضايا راهناً هي النكبة السورية، باعتبارها الأكبر والأخطر منذ العام 1948، ثم لكون عالميتها أوضح من غيرها تبعاً «للحضور» الروسي والإيراني فيها.
انتخابات العام 1999، كانت تاريخية بالمعنى العربي لكن باتجاه آخر. بحيث أن فوز آل غور على جورج بوش الابن كان سيعني استئنافاً لما بدأ في عهدَي بيل كلينتون على صعيد التسوية مع إسرائيل في حين أن فوز (بوش) ذهب بالمنطقة (والعالم!) إلى أماكن أخرى لا يزال «يجاهد» كي يخرج منها! وأولى علامات ذلك، تراجع (أو بالأحرى تبخّر) احتمالات التسوية التاريخية في المنطقة، في مقابل حضور الإرهاب بنداً أول في أجندة الجميع و»اكتشاف» إشكالية الربط بينه وبين الإسلام.. ثم اكتشاف «جاذبية» ذلك الربط في سياق الأجندة الاستراتيجية للمحافظين الجدد والتي لم تخيّب بدورها القراءات الرابطة بينها وبين شؤون وشجون كثيرة أولها وأبرزها منظومة مصالح الصناعات العسكرية الأميركية!
كسرت مرحلة أوباما ذلك المسار واستبدلته بآخر أسوأ: تحت مظلة بوش الابن ضاعت فرصة التسوية التاريخية العربية – الإسرائيلية وضاع العراق. لكن مع الرئيس الديموقراطي الثرثار، كادت المنطقة العربية برمّتها أن تضيع، ويكاد العالم برمّته يعود القهقرى إلى مرحلة سابقة حتى على الحرب الباردة.. حيث أوصل انفلات الأيديولوجيات الشمولية في مطالع القرن العشرين إلى حروب عالمية وإقليمية وأهلية ولدت كوارث ومآسي عصيّة على الحصر!
.. بالمعنى التفصيلي الراهن يصحّ الافتراض، أن فوز هيلاري كلينتون سيلجم (مرحلياً لمن يشاء) المسار الأوبامي من دون أن يكسره تماماً. وذلك يعني إعادة النظر في طهران وموسكو بالسياسات والمشاريع التي انتعشت على وقع الانكفائية الأوبامية، ودبّت بخطاها فوق المساحة التي أخلاها ساكن البيت الأبيض! وفي سياق استراتيجيته التي لا تختلف في عمقها الحقيقي عن استراتيجية بوش الابن! أي التي تعيد الحرارة إلى مفاهيم متصلة في آخر المطاف باقتصاد الصناعات العسكرية! وبمنطق النزاع المفتوح!
فوز ترامب سيعني تسريعاً لذلك السياق الاستنفاري والنزالي، وإنعاشاً للمفاهيم المتصلة به. وهذا ما يفسّر المناحة العجيبة القائلة بتفضيل الأصوليين الإيرانيين والاحيائيين الروس والممانعين الملحقين بهما في نواحينا، أي الموصوفين في الإجمال بأنهم «أعداء» و»أخصام» السيد الأميركي.. تفضيل كل هؤلاء فوز المرشح الجمهوري، بل و»العمل» أينما أمكن لدعم حملته!
هؤلاء في جملتهم يريدون البناء، مثلما فعلوا دائماً، على شعار العداء لأميركا، لكن من دون محاربتها! والنوازع متصلة إن كان في موسكو أم في طهران، بالسلطة والاستمرار بالإمساك بها! ولذلك فإن فوز المرشحة الديموقراطية (للمفارقة!) سيصيب ذلك التكتيك بعطب قاتل على المستوى النظري بداية، ثم على المستوى العملي تالياً!
فوز كلينتون سيعني (مجدداً) إعادة أصحاب القرار الإيراني والروسي، النظر في تكتيكاتهم واستراتيجياتهم.. وذلك ما يفسر خفوت جبهة حلب وانطفاء محركات الآلة العسكرية الروسية. ثم عودة موسكو، عبر رئيس الوزراء ميدفيديف، إلى «الحديث الأول» عن جواز إنتاج حل من دون بشار الأسد!
.. مثلما أن ذلك يفسّر معنى إشادة المرشد الإيراني بالمرشح الجمهوري، وإن كان من باب الذمّ بالقيم الأميركية!
إنتخابات مصيرية للعرب.. قبل الأميركيين!