Site icon IMLebanon

خطوات مصيريّة تكشف مخطّطات «أمن الدولة»

إنتهت من حيث المبدأ أزمة نائب مدير جهاز أمن الدولة بعد انتهاء خدمة العميد محمد الطفيلي منتصف ليل أمس، لكنّ ذلك لا يعني أنّ المشكلة بحدّ ذاتها قد انتهت خصوصاً أنّها تبدو وفق متابعي هذا الملفّ أكبر من الأشخاص، وتهدف الى ضرب الجهاز بالكامل لأسباب غير مفهومة بالمنطق القانوني، وتطويقه مالياً وإدارياً.

أُحيل الطفيلي الى التقاعد ببلوغه 58 عاماً، وسقطت بذلك كلّ مخاوف التمديد غير القانوني له، بعدما طُرحت بقوّة في الأيام الأخيرة، بهدف تجاهل المدير العام للجهاز اللواء جورج قرعة بقول البعض إنّه يمكن لرئيس الحكومة تمام سلام إتخاذ هذه الخطوة من دون العودة إليه، لكنّ الضغط الذي نفّذته القوى المسيحية إضافة الى الحجج القانونية جعلت هكذا خطوة غير ممكنة.

وفي التفاصيل التي سبقت التطورات الأخيرة، لم يكن قرعة أو القيّمون على عمل هذا الجهاز الذي سجّل إنجازات في مجال مكافحة الإرهاب، يرغبون في تحويل المشكلة الى قضية مسيحية، بل عملوا على إبقائها في الإطار الوطني الصرف.

ومع إنحدار الوضع نحو الأسوأ وإيقاف مخصّصات الجهاز على رغم أنها تُعتبر ضرورة ملحّة لإستكمال مهامه، علا الصوت، وتبنّى بعض المراجع الكاثوليكية القضية لأنّ رئيس الجهاز كاثوليكي، وعمل بصمت.

ومع إستفحال المشكلة، لم يتوصّل أحدٌ الى نتيجة، وانفجرت القضية في العلن. عندها قصد قرعة بكركي برفقة رئيس شعبة المعلومات في الجهاز العميد بيار سالم ووضعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الصورة الحقيقية للقضية. وقد صودف أن طُرحت هذه المسألة تزامناً مع طرح قضية التوازن داخل إدارات الدولة بقوّة في بكركي، فأخذت الأحزاب المسيحية القضية على عاتقها.

المشكلة في الظاهر كانت الإشكال الذي وقع بين الطفيلي وقرعة، ومطالبة الطفيلي بصلاحيات توازي صلاحيات قرعة، وفسّر البعض هذا الأمر بعدم وجود كيمياء بين الرجلين، بينما الأزمة كانت أكبر بكثير وأعمق وتطاول دور الجهاز ومخططات وضع اليد عليه.

ومع إحالة الطفيلي إلى التقاعد، ينتظر كلّ فريق الخطوات التي سيقدِم عليها الفريق الآخر. قرعة يتحضَّر للقيام بدوره والتأقلم مع كلّ الإحتمالات، إذ هناك عدد كبير من الضباط يستطيع ملء هذا المركز، لكن، يبقى السؤال الأهم ماذا سيكون موقف رئيس الحكومة وكيف سيتصرّف في هذه الأثناء؟

لا يزال سلام يستثني قرعة من اجتماعات السراي الأمنية، ولا يزال يحجب «داتا» الإتصالات عن الجهاز وقد بلغت منذ حزيران 2015، 310 طلبات وكلّها مرتبطة بملفات تطاول أمن البلد من النواحي كافة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ «أمن الدولة الذي قبض على أشخاص اشتُبه بتخطيطهم لتنفيذ عمليات إرهابية في منطقة عاليه منذ فترة قريبة، باشر التحقيق معهم وكان يحتاج الى «داتا» الإتصالات، لكنّ رئيس الحكومة لم يوافق على إعطائه إيّاها، فاضطر الى تحويل القضية وتسليم المتهمين الى جهاز آخر لكي يكمل التحقيق وينقذ البلد من مخططات الإرهاب، علماً أنّ الجهاز كان قد طلب تسليمه 12 داتا في تلك المرحلة ووُعد بذلك لكن من دون نتيجة».

من المفترض أن تُشكّل نهاية خدمة الطفيلي حلاً للمشكلة، لكنها قد تكون من جهة ثانية سبباً لكشف مخططات البعض الرامية الى ضرب هذا الجهاز، ويترقب الجميع وخصوصاً المسيحيون كيف سيتعاطى رئيس الحكومة من الآن وصاعداً مع هذا الملف الحساس، وهل سيحترم مواقع المسيحيين ورأيهم، خصوصاً أنّ البعض فضّل عدم الحكم على النّيات.

ومن المعلوم، أنّ سلام يطرح على مجلس الوزراء أسماء لتعيينهم في مركز نائب مدير الجهاز، وفي الحالات الطبيعية يجب أن يتشاور مع المدير العام، لكن إذا لم يعيّن مجلس الوزراء بديلاً، فإنّ الجهاز يستمرّ في عمله طبيعياً، وهناك تجربة مماثلة حصلت عندما انتهت خدمة نائب المدير العميد مصطفى دكروب، واستمرّ الجهاز 6 أشهر على هذه الحال. وبالتالي إذا لم يعيَّن بديل، يكمل المدير العام للجهاز بشكل طبيعي كلّ التواقيع، باستثناء التواقيع الثلاثة التي تحتاج إمضاء المدير ونائبه، أي التطويع، السفر، والترقيات، عندها يوقّع رئيس الحكومة.

وفي هذه الأثناء، تستمرّ الإتصالات لإيجاد بديل عن الطفيلي، وهذا أمر روتيني تشهده كلّ المؤسسات عندما يُحال شخص إلى التقاعد، لكن ماذا عن المخصّصات المالية العالقة؟ وماذا عن الرؤية المستقبلية لعمل الجهاز؟ وفي حال تعيين نائب جديد للمدير العام هل سيُدعى قرعة الى اجتماعات السراي أم أنّ المشكلة أكبر بكثير، ولا يعرف خفاياها إلّا مَن يقف وراءها؟ في وقت يبقى التطويق المالي والإداري مستمرّاً.