يلخّص السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي فحوى زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني لـ«غرب آسيا»، بعنوانَين: إيران تدعم دول المنطقة لضرب الإرهاب في ظرف تاريخي، ولا تنسى الإرهاب الصهيوني. وبين العنوانين، «دعم الرئيس السوري بشّار الأسد وحكومته الشرعية»
المطر الغزير لا يفقد الإجراءات الأمنية حول السفارة الإيرانية شدّتها. حركة السير صبيحة الأحد تكاد تكون معدومة في منطقة بئر حسن، وفريق سفارة الجمهورية الإسلامية في بيروت تشغله ساعات العمل الإضافي.
هنا لا يزال صدى زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، للبنان، يتردّد في أروقة الدبلوماسيين. وبحسب السفير محمد فتحعلي، فإن لـ«الزيارة أهميتها ودلالاتها في الشكل والتوقيت والمضمون». يبدو السفير مرتاحاً من الزيّ الرسمي في يوم العطلة. وفي الصالون المجاور لمكتبه، يحاول أن يرسم معالم زيارة لاريجاني للبنان والمنطقة، بعربيّة ممتازة ودبلوماسية «انتقائية».
في الخلفية، يشير فتحعلي إلى توصيف الجمهورية الإسلامية لواقع العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، بوصفها: «غرب آسيا»، إذ لا يحبّذ الإيرانيون وصف «الشرق الأوسط». «تشهد المنطقة والبلدان الداعمة لمحور المقاومة تحركات لمجموعات إرهابية غير مسبوقة»، وأحد أهم التهديدات بحسب السفير، هو «سعي داعش وجبهة النصرة وسائر المجموعات الإرهابية لخلق خلافات بين المسلمين، إسرائيل المستفيدة الأولى من حصولها، وهؤلاء ليسوا خطراً على الإسلام والمسلمين فقط، بل على كل العالم». غير أن الخطورة بالنسبة إلى إيران، لا تقارن بتلك التهديدات التي ظهرت في أفغانستان مع حركة طالبان، فـ«هذه الحالة هي الأخطر منذ عقود، وما حصل من قبل إرهابيي القاعدة وطالبان هو عيّنة مما يحصل، ونحن نعتقد بأن داعش هو استمرار للقاعدة وطالبان». وتؤمن إيران، بحسب فتحعلي، بأن «المنطقة تمرّ بظرف تاريخي ودقيق، وعلى الدول المستهدفة أن تكون واعية وذكية، وعلينا أن نكون خلّاقين بالعمق، لكي نعالج هذه الأوضاع الخطرة»، معيداً التأكيد أن «الإرهابيين مدعومون من دول إقليمية وخارجية ومن الكيان الصهيوني».
وعلى هذا الأساس، ترى إيران أنه «يجب أن يكون دورها فعّالاً لصدّ هذه المؤامرات والحيل، وعلينا أن نراقب الأوضاع على الأرض وليس من بعيد، بل في قلب الحدث». ويختصر فتحعلي الدور الإيراني في دعم العراق وسوريا ولبنان بـ«تقديم المشورة والنصائح العسكرية وتبادل وجهات النظر مع الدول المستهدفة، في سبيل القضاء على الإرهاب وضرب المؤامرات». كما أن «إيران واثقة من أن الدول المستهدفة قادرة بالتنسيق والتعاون في ما بينها على تحقيق الانتصار على الإرهاب، من دون الحاجة إلى الدول الخارجية، فالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لا نراه شيئاً واقعياً أو حقيقياً».
ويصنّف السفير زيارة لاريجاني تحت خانتين، الأولى كـ«زيارة إقليمية في مواجهة خطر الإرهاب والخطر الصهيوني»، والثانية كـ«زيارة للاهتمام بمشاكل كلّ دولة على حدة»، فيما نال «تجديد دعم إيران للحكومة الشرعية في سوريا بعداً مهماً من أبعاد جولة لاريجاني». ويشير إلى أن «إيران قالت منذ بداية الأزمة السورية للدول الخارجية والإقليمية إن إخراج الرئيس السوري بشّار الأسد من السلطة ليس حلّاً، لأنه سيفتح الباب أمام التنظيمات الإرهابية». ويضيف: «أرسلنا تحذيرات بأن العمل على إسقاط الأسد يعني مساعدة الإرهابيين، وبعد هذا الوقت ثبت أن نظرية الجمهورية الإسلامية صحيحة». يستشهد السفير بكلام الرئيس حسن روحاني: «مقاومة الجيش والشعب السوري ضد الإرهاب أعطت درساً للذين وقفوا ضد محور المقاومة بأن من المستحيل هزم خطّ المقاومة بالدعم المالي والعسكري للإرهابيين، لإسقاط الحكومات الشرعية». ويأسف لأنه «على الرغم من التحذيرات والنصائح، تجاهل الأوروبيون والدول الداعمة للإرهاب هذه التحذيرات، وأضاعوا الكثير من الوقت أمام المواجهة الفعلية للإرهاب، نتيجة إصرارهم في السابق على مطلب تنحي الرئيس السوري عن منصبه، قبل أن يفهموا لاحقاً مخاطر ذلك». وتتزامن هذه الزيارة بحسب السفير مع «إصرار إيران على أن الخطر الحقيقي على العالم الإسلامي هو الكيان الصهيوني». ولا ينسى السفير أن يستشهد بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، فيختار إحدى مقولاته قبل أشهر، كيف أن «الوضع في الإقليم، ونشاط الإرهابيين في سوريا والعراق يجب أن لا ينسينا خطر الكيان الصهيوني». الحديث عن «خطر إسرائيل التوسعي»، يلقي الضوء عند فتحعلي على اللقاء الذي جمع لاريجاني بمسؤولي الفصائل الفلسطينية في لبنان في فندق فينيسيا، حيث شارك أغلب ممثلي الفصائل، بما فيها حركتا فتح وحماس.
الشيء الآخر الذي يركّز فتحعلي عليه، هو أن «إيران تدعم كل الدول في المنطقة ضد الإرهاب»، ليدخل إلى مسألة دعم لبنان، والهبة التي عرضتها الجمهورية الإسلامية لتسليح الجيش اللبناني.
ماذا عن الهبة؟ يبتسم فتحعلي. فعلى الرغم من عدم استجابة الحكومة اللبنانية حتى الآن للموافقة على تسلّم الهبة مع حاجة الجيش إليها، يقول: «الهبة كان لها إيجابيات على لبنان، فهي سرّعت وصول السلاح من الدول الأخرى إلى الجيش». ويلفت إلى أن زيارة لاريجاني أعادت التأكيد أمام المسؤولين اللبنانيين (الرئيسين تمام سلام ونبيه برّي ووزير الدفاع سمير مقبل)، على ما طرحه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في زيارته الأخيرة للبنان، حول «استمرار إيران في موقفها من تقديم الهبة والدعم للجيش، وأن لبنان لن يكون وحيداً في مواجهة التهديدات في الجنوب من الإرهاب الصهيوني وتهديدات المجموعات الإرهابية من الشرق». وإلى جانب التعاون العسكري، يشير فتحعلي إلى أن اللقاءات مع اللبنانيين تناولت الحديث عن «التعاون بين لبنان وإيران، وخصوصاً العلمي وبين الجامعات والتبادل التجاري والاقتصادي، وكيفية تحويل خبرات إيران في هذا المجال إلى لبنان».
الربط بين الملفّ النووي الإيراني وانتخاب رئيس للجمهورية أمر مضحك بالنسبة الى فتحعلي، ويدخل تحت باب «الشائعات». وفي حين يلفت الدبلوماسي إلى أن «لاريجاني وضع المسؤولين اللبنانيين في مستجدات الملفّ النووي»، يجزم بأن «هذا الملفّ محصور بين إيران ودول 5 + 1، ولا علاقة لأي أمر آخر به، وإيران ترفض الحديث عن أي مسألة أخرى في هذا الملفّ».
لا يحبّذ السفير الإجابة عن أسئلة من خارج سياق زيارة لاريجاني، لكنّه يبدو واثقاً من أن «الجمهورية الإسلامية صامدة أمام الحرب النفطية التي تستهدفها وتستهدف روسيا»، مذكّراً بالأيام الصعبة التي مرّت بها الجمهورية الإسلامية. «كان برميل النفط يعود علينا بربح لا يتجاوز دولارين في السابق، وصمدنا»، يختم فتحعلي.