IMLebanon

الأب حبيقة لـ”الديار”: الدستور في لبنان يُنفّذ بشكل خاطئ الفاتيكان حافظت على استمراريّتنا… ولا مُبرّر لخوف بعض المسيحيين 

 

يراقب ويواكب بتمعّن المجريات السياسية والإنهيارات المتتالية لمؤسّسات الدولة، كما وتَحلُّل أساسات الجمهورية على الأصعدة كافة، إلا أنه غير محبط ولا يائس “لأن المؤمن ومن يمتلك الرجاء لا يمكن أن يفقد الأمل”، ويذكِّر بأن “لبنان تعرّض دائماً للمحن وللإحتلالات منذ ما قبل العثمانيين وحتى اليوم، ويعود وينهض كطائر الفينيق، لأن الحق لا يموت”. إنه النائب العام في الرهبانية اللبنانية المارونية الأب البروفسور جورج حبيقة، الذي يقارب الفراغ الدستوري اليوم، على أنه يعود إلى “تنفيذ الدستور بشكل خاطئ، بغياب أي مستند قانوني لعملية التنفيذ الحاصلة، فما يجري كله هرطقات، ففي فرنسا مثلاً الدستور الفرنسي يفرض على النائب عدم الغياب عن أي جلسة نيابية أو لجنة نيابية، لا سيّما وأنه يتقاضى راتبه لتمثيل وخدمة الناس في التشريع، وفي حال أراد أن يغيب لسبب ما، عليه توجيه رسالة يشرح فيها السبب الوجيه الذي يفرض عليه الغياب، كالمرض أو أي أمر إستثنائي آخر، وفي حال لم يقم بهذه الإجراءات يُعاقَب مالياً، أي يُحسم من راتبه، لأنه لا يحق له قبض راتبه في حال لم يقم بواجباته كنائب”.

 

ويأسف الأب حبيقة في حديثه لـ”الديار” لـ “غياب الضمير الحقوقي والوطني، فقد ابتدعوا هذه الهرطقة القضائية ـ الحقوقية التي لا أساس لها، وتسمح للنائب بالغياب كحق دستوري، وهي غير موجودة في العالم، وعلى سبيل المثال في الكونغرس الأميركي، وخلال عملية انتخاب رئيس المجلس، بقي النواب في الداخل واقترعوا لدورات متعدّدة ومتواصلة جراء العرقلة بين الجمهوريين والديمقراطيين، حتى تصاعد الدخان الأبيض، لأنه ممنوع الخروج من البرلمان، ولهذا على النواب في لبنان مواصلة الجلسات حتى انتخاب الرئيس، وأن يكون تواصل وتشاور بين النواب ورؤساء الكتل النيابية لفترة، ومن ثم تعاد العملية الإنتخابية، وليس الحوار المسبق لأيام عديدة قبل الجلسات، لأنه في حال لم يتم الإتفاق على إسم شخص ماذا يحصل ساعتئذٍ”؟

 

ويلفت إلى ما أعلنه رئيس المجلس نبيه بري، الذي وصف العملية الإنتخابية بأنها “كانتخاب البابا حتى يصعد الدخان الأبيض”. لكن ووسط هذا الواقع، يُعلِن أن “لا مخاوف على مستقبل المسيحيين، وأنا كمسيحي مؤمن، لا مساكنة ممكنة بين إيماني والخوف، فإذا كنت مؤمناً حقيقياً ينعدم الخوف، كما أن الرجاء المسيحي موجود لدينا، وهو يتجاوز الأمل الذي قد يتحطم، بينما الرجاء المسيحي يتضاعف قوة وزخماً في المِحَن والمصاعب، ونحن محظوظون في لبنان لأننا نعيش في المِحَن، ولهذا نحن نعيش الرجاء، والمِحَن تصقل الإنسان وتبقيه جدياً، وتدفعه إلى التعاطي مع الوجود بجدية لمواجهة الحياة وجهاً لوجه”.

 

وعن الجهة المسؤولة عن الإنهيارات؟ يرى أن “لبنان دولة توافقية، ونظامه فريد من نوعه، خلافاً لكل بلدان المنطقة، فهناك نظام إسبارطة الذي تمثله “إسرائيل” حيث دين واحد ولغة واحدة، وهو مبدأ إنصهاري، فيما يحافظ النظام اللبناني الإستثنائي منذ ولادته حتى اليوم على الذاتيات ويمنع الإنصهار ولن يتغير، على الرغم من احتلال لبنان من قبل إمبراطوريات عدة”. وبالتالي، يؤكد أنه “حتى لو احتلتنا الدول وحاولت تغيير حرف واحد في القواعد الأساسية التي نعيشها فلن تنجح، بسبب عجزها عن التأثير على ثوابت اللاوعي المجتمعي، فهذه المحاولات هي ابتزاز وهذا هو لبنان، ففي الدول العربية حاكم واحد، وهو ملك أو عائلة حاكمة، كما أن دين الدولة في كافة الدول العربية هو الإسلام، ما عدا لبنان حيث لا دين للدولة، ولا انقلابات عسكرية في لبنان أيضاً، والسبب واضح وهو أن كل مكونات الشعب اللبناني ممثّلة في الحكم، ففي إيرلندا دخل الكاثوليك الحرب لأنهم غير ممثلين في الدولة”.

 

ويكشف أن سبب انهيار لبنان يعود إلى “هجرة النخب، وإلى اتفاق الطائف الذي وزّع المناصب على الأحزاب، بينما غابت أركان المجتمع التي يجب أن تكون متقاربة، وذلك بسبب وجود ركن ضخم على مستوى الشرق الأوسط ولا علاقة له بلبنان، وبالتالي، باتت الدولة التوافقية عاجزة عن الإستمرار، ولكنني أجزم بأننا لسنا مهدّدين، وقد مررنا بظروف أصعب من التي نمرّ بها اليوم، وفي العام 1915 عشنا المجاعة الكبرى، ومات الثلث وهاجر الثلث وبقي الثلث، وبهذا الثلث أنظر ماذا فعلنا”.

 

وعن طروحات الفيدرالية، يؤكد الأب حبيقة أنها لا يمكن أن تُعتمد في لبنان، وإن كانت دول كبرى وفاعلة تعتمد النظام الفيديرالي، ويرى أنه بالنسبة للبنان البلد الصغير المساحة، والذي تتداخل فيه القرى والبلدات من الصعب اعتمادها، إنما في الوقت نفسه لا يمكن التعريف عن الفيديرالية بأنها نظام تقسيمي كما يريد البعض توصيفها، فهذه مراهقة سياسية، لأن أميركا وسويسرا فيديراليتان ولكن ليستا مقسّمتين، ففي لبنان كل شيء يُدعى اعتراف بالكيان، هو تقسيم بالنسبة لهم، هذا معيب، لأن لا ثقافة سياسية لمن يطرح الأمور هكذا، وهذا فجور سياسي، من قبل الذين لا يملكون أي علم وليسوا على اطلاع”.

 

وقال الأب حبيقة : “شخصيا أيؤيد النظام الحالي أي النظام التوافقي حسب العلم السياسي، ولكن شرط تطبيقه بشكل صحيح، كأن لا يتم التوظيف في الدولة مثلاً من خلال الأحزاب، ففي عهد الرئيس فؤاد شهاب كان مجلس الخدمة المدني، يُخضع الجميع للإمتحان، كما أن تعيين المدراء والمدراء العامين أو قائد الجيش لا يجب أن يتم من قبل الأحزاب، بل بالعودة إلى العلم الذي يؤمّن الحلول للأزمات”.

 

وعن دور الفاتيكان في لبنان اليوم يكشف الاب حبيقة أن “الديبلوماسية الفاتيكانية ناشطة جداً جداً، وقد حافظت على استمراريتنا وحضورنا، فالديبلوماسية الفاتيكانية تعتبر الأولى في العالم وهي مدرسة للديبلوماسية، إلاّ أن البعض يرى أن التصاريح التي تُصدر بعض الضجيج الإعلامي هي أكثر فاعلية من هذه الديبلوماسية، ولكن الضجة لا تنتج الخير والخير لا ينتج ضجة، وهذه معادلة متماسكة، فالخير لا يصنع ضجة، لأنه من مقوّماته أن تكون أساساته خفيّة. مع العلم أن الأساسات التي تحمل أي بناء هي دائماً خفيّة وهذا سبب فاعليتها، ولذلك لا مبرّر لخوف بعض المسيحيين بسبب إيمانهم الضعيف، وضعف انتمائهم المسيحي، لأن المؤمن لا يتحدث عن الخوف، وما يجري الحديث عنه هو للأسف أن هناك من يُطعم البعض خبز الإحباط ، ويأكلونه بشهية لأن لا مناعة لديهم”.