«الله يِهدي سياسيّينا»، «يا عدرا نَوّريلُن ضميرُن»، «بحَقّ قيامِة إبنِك الوحيد فَرّحِيلنا قلوبنا برئيس». على وقع نَوايا المؤمنين المحتشِدين في ساحة النجمة، دخلَ تمثال العذراء فاطيما مجلسَ النوّاب كمحطة أخيرة، قبل أن يعود إلى البرتغال عبر مطار رفيق الحريري الدولي.
بيَدها اليمنى تحملُ مسبحتَها وباليسرى تُلوّح بمنديلها الأبيض، حافيةَ القدمين سارت وداد (60 عاماً)، ضمن موكب تمثال العذراء فاطيما في مسيرة صلاة إلى مجلس النواب، على رغم أنّها مقتنعة «لو مشيوا كلّ اللبنانيين حفايا، ما في رئيس، قبل قرار من بَرّا».
بين المنهمِك في التقاط الصوَر، والعاجز عن حبسِ دموعه تأثُّراً، والمستعجِل للتبَرُّك من التمثال، إستثنائياً بدا مشهدُ المؤمنين وهُم يسيرون في اتّجاه المجلس، حتى إنّ بعضَهم عجزَ عن ضبطِ تعليقاته، ومنها: «هيدي أوّل عجيبة عِملِتا فاطيما، ما فتّشونا، عادةً الأمن بِغَربل الرمل»، «حبّذا لو يأتي السياسيّون جميعُهم إلى المجلس، عسى العذراء تفتّح عقولهم، وتأخذ بأيديهم».
على وقعِ كلمات: «بالساحة التقينا ومسبحتك صلّينا، وصرخنا يا عدرا خلّي عينِك ع لبنان»، احتشَد المؤمنون في محيط مجلس النواب، ثمّ أدخِل تمثال العذراء محمولاً على الأكتاف إلى البرلمان، حيث كان في استقباله: عضوَا هيئة مكتب المجلس النائبان ميشال موسى وأنطوان زهرا، أمين سرّ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان، النائب حكمت ديب، والأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر وموظفو المجلس الكبار.
تزامُناً مع صلاة الظهر، تُلِيَت في بهو المجلس صلوات وتراتيل «لإبعاد الأشرار والشياطين عن مجلس النواب» وعلى «نيّة انتخاب رئيس للجمهورية»، بينما كان المؤمنون في الخارج يتلون صلاة التبشير الملائكي، ويَستمعون إلى كلمةٍ ألقاها أحد الآباء استذكرَ فيها البابا بيوس الحادي عشر والذي «بعدما تعبَ مِن الطلب من الرؤساء والحكّام إيقافَ الحرب العالمية الأولى، توَجّه بنداءٍ على الإذاعة إلى سلطانة السلام، سلطانة السماء والأرض مريم طالباً منها التدخّلَ لإيقاف الحرب، وبعد تسعةِ أيام في 13 أيار 1917 ظهرَت العذراء في فاطيما وبدأت المسيرة ثمّ توقفت الحرب».
وقال: «نحن الآن باسم البطريرك الراعي نناشِد العذراء مريم أن تتدخّل وتأتي برئيس للجمهورية، ونحن كلّنا ثقة بأنّ هذا الأمر سيتمّ وبشَكل سريع، على رغم كلّ التوقّعات والحسابات».
زهرا
على هامش مشاركته، أثنى زهرا على هذه الزيارة المباركة، قائلاً: «يتميّز أهل لبنان بأنّهم شعب مؤمن، ونرَدّد أنّ إرادة إلهية أبقَتنا وحمَت وطننا، قدرة إلهية تفوق إمكاناتنا كبشَر أبقَتنا في هذا الشرق، لأنّ الظروف المحيطة التي اختبرَها وطننا لا يُستهان بها، ولولا رغبة الله في إبقائنا لم نكن لنبقى منذ آلاف السنوات».
وأضاف: «لا شكّ في أنّ الدعوات الصادقة والنوايا لانتخاب رئيس تدفعنا للتفاؤل بأن يصبح للجمهورية رئيس، وتعود الحياة الدستورية طبيعية في لبنان»، مؤكّداً «أنّ الصلاة وحدَها غير كافية، لا شكّ في أنّ شفاعة السماء تُسَرّع في بلوَرةِ إرادة اللبنانيين ومشيئتهم في أن يكون لنا رئيس».
أمّا عن الأجواء التي عمَّت داخلَ المجلس، فقال زهرا: «تَشارَك النوّاب حملَ التمثال في اتّجاه باب القاعة الرئيسة للمجلس والذي لا يفتح إلّا عند انتخاب رئيس للجمهورية فقط».
موسى
من جهتِه، اعتبَر موسى «أنّ زيارة تمثال العذراء إلى مجلس النواب خطوةٌ طبيعية، محطة لا بدّ منها بعدما كان على مقربة منه في كنيسة القدّيس جاورجيوس». وقال لـ«الجمهورية»: «ليست النيّة انتخاب رئيس للجمهورية فقط، إنّما أيضاً إلهام السياسيين ومَدُّهم بالقدرة على التصَدّي لما تمرّ به المنطقة، وتعزيز الصمود اللبناني، والحفاظ على البَلد المتنوّع بأهلِه، وكذلك على نيّة عودة الحياة إلى مؤسسات الدولة، وبما فيها رئاسة الجمهورية».
وعمّا يَعوق انتخابَ رئيس الجمهورية، قال موسى: «مِن الواضح أنّ المسألة قضيّة مواقف سياسية مختلفة على مستوى المفاهيم، وأسلوب مقاربة الفراغ الدستوري، ولكن نتمنّى على جميع الفرَقاء، بصرفِ النظر عن حجم الصعوبات، وضعَ انتخابات رئاسة الجمهوريّة في الأولوية، ضمن حوار جدّي وسريع، وبذلَ جُهدٍ إضافي، بعدما تأخّرنا»، متمنّياً أن يخلقَ هذا الدعم الإيماني «المناخَ المناسب لانتخاب الرئيس».
نُصَلّي لانتخاب رئيس
وكانت قد غصَّت كاتدرائية مار جرجس للموارنة وسط بيروت بالمؤمنين الذين توافدوا منذ الثامنة صباحاً لحجزِ أماكن لهم. وتحوَّلت مداخل العاصمة موقفاً للعموم بعدما ركنَ المواطنون سياراتهم إلى جانبَي الطريق، وتخلّف العدد الأكبر عن وظيفته.
وترَأّسَ رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر الذبيحة الإلهية على نيّة انتخاب رئيس للجمهورية، عند العاشرة قبل ظهر أمس. وبَعد الإنجيل، ألقى مطر عظةً شَدّدَ فيها على أهمّية الاتّحاد، قائلاً: «في لبنان العزيز جميعنا أبناء وطن واحد من طوائف عديدة، لكنّنا تحت سقف بيت واحد شعب واحد، نريد أن نتّفقَ على كلّ شيء، أن نبنيَ وطنَنا ليكون مسكناً لك يا مريم، كرّسنا لقلبك الطاهر هذا الوطنَ العزيز، ومِن غير المقبول أن نعيشَ بعد هذا التكريس في الخطيئة والبغض والانقسام، إسألي لنا التفاهمَ والتقاربَ واتّحادَ القلوب».
وتضَرّع مطر لكي تلهمَ العذراء المسؤولين، «ويُلقوا السلاح ويتحاوَروا»، قائلاً: «في سوريا والعراق واليَمن وفلسطين وليبيا وكلّ المنطقة، هناك أيضاً لك أبناء يختلفون ويتقاتلون، يقتلون الناس لأساس دينِهم، ما هكذا تعَوَّدنا الشرق يا مريم… نطلب منك أن تلهمي جميعَ المسؤولين رحمةً وليناً في قلوبهم، ليُلقوا السلاح ويتحاوروا مجدّداً، جميعُنا على صورة الله وُلِدنا، جميعُنا نحبّ الحياة ونريد السلام، جميعنا لنا الحق في أن نعيش بسلام ونعمة بعضُنا مع بعض، فلماذا التقاتل؟ نسألكِ يا مريم أن تَجعلي هذه القلوبَ تتغيّر، أصعِدي صلاتَنا إلى الآب والإبن والروح القدس، كوني عونَنا في كلّ حين». ودعا مطر المؤمنين ليصَلّوا «أينما كنتم على نيّة السلام والتفاهم في لبنان والمنطقة والعالم».