منذ أقلّ من شهرين، تقدّم بيار وموسى فتوش وشركتهما، بواسطة أحد مكاتب المحاماة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، بدعوى ضدّ الجمهوريّة اللبنانيّة لدفع التعويضات التي أقرّها لهم مجلس شورى الدولة في عام 2005 والتي تبلغ أكثر من نصف مليار دولار. حتّى اليوم، لم يتبلّغ لبنان الدعوى حسب الأصول، ولكنّ التحضيرات الرسمية لتوكيل مكتب محاماة أميركي قد بدأت. وبدأت معها مخاوف البعض من إمكان تأثير هذه الدّعوى على مصير احتياطي الذهب الموجود بمعظمه في الولايات المتّحدة الأميركيّة
يسحب آل فتوش أوراق الضغط على الدّولة اللبنانيّة، كمن يسحب أرنباً من قبّعته. العائلة التي لمع نجمها في نسج العلاقات السياسيّة واستغلالها لدعم الأعمال التجارية لأفرادها داخل لبنان وخارجه، لم تستسلم منذ أن أصدر مجلس الوزراء في عام 1999 قراراً يقضي بتنظيم استثمار الكسارات والمقالع، ووقف العمل بالتراخيص التي كانت مُعطاة سابقاً.
طَرَق بيار وموسى فتوش بالتّعاون مع شقيقهما (النائب والوزير السابق) نقولا، كلّ الأبواب لنيْل التعويضات التي أقرّها لهم مجلس شورى الدّولة في تشرين الأوّل 2005 والبالغة حوالى نصف مليار دولار أميركي كتعويضٍ عن توقيف العمل بالكسّارات التابعة لآل فتوش وشركتهم في عين دارة في عاليه (بلغت التعويضات 85 مليون دولار كعطل وضرر، بالإضافة إلى 9% فوائد سنوية) وحدث بعلبك (بلغت التعويضات 134 مليون دولار كعطل وضرر، بالإضافة إلى 9% فوائد سنوية). ويُضاف إليها، مبلغ 1% من مجمل المبلغ كغرامة إكراهيّة أقرّها مجلس شورى الدّولة في 10 نيسان 2017 بسبب عدم التزام الدّولة بدفع التّعويضات للمدّعين.
اتصالات أميركيّة مع «الماليّة»
15 عاماً مرّت على القرار الأوّل وآل فتوش يحاولون الدخول من خرم إبرة لنيْل هذه التّعويضات، إلّا أنّهم في كلّ مرة كانوا يعودون صفر اليديْن. لا أحد يعلم من أدخل فكرة اللجوء إلى القضاء الأميركي إلى عقولهم، ولكنهم فعلوها!
في المرّة الأولى وتحديداً في بداية عام 2019، «سكّت ركب» المسؤولين في الدّولة اللبنانيّة بعد أن تبلّغت وزارة الماليّة من أحد مكاتب المحاماة في الولايات المتّحدة الأميركيّة أنّه توكّل عن فتوش وهو بصدد إقامة دعوى للمطالبة بالتّعويضات في المحاكم الأميركيّة، إذا لم تقم الدّولة بتسوية الوضع خلال أسبوع.
حينها هرع الوزير علي حسن خليل إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، واتفقا في 14 آذار 2019 على ضرورة اتّخاذ الإجراءات القانونيّة المُناسبة وتوكيل مكتب محاماة أميركي للدّفاع عن لبنان. واقترح مفاوضة الأخويْن فتوش للتوصّل إلى آلية دفع مناسبة، لأنّ «من شأن هذه الدّعوى إلحاق الضرر بسمعة لبنان»، بحسب خليل الذي عاد بالذاكرة إلى الدّعوى التي أقامتها «liban cell» ضد الدّولة اللبنانيّة، وربحتها في عام 2005.
لم تُحرّك الدولة ساكناً. فعاد مكتب المحاماة إلى الاتصال بوزارة الماليّة التي أرسلت كتابيْن إلى الحكومة في 29 نيسان 2019 وفي 31 أيّار 2019. أمّا في كتابه الثالث الذي أرسله في 25 تمّوز 2019، فاقترح خليل على الحكومة استشارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتكليف مكتب محاماة أميركي، وعرض القضيّة على هيئة القضايا في وزارة العدل المعنيّة بالدّفاع عن لبنان.
لم يُعرف لماذا أصرّ خليل على منح سلامة هذا الدور. وعوضاً عن مناقشته في طلبه الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، قرّر مجلس الوزراء الذي كان منعقداً في بيت الدين برئاسة رئيس الجمهوريّة في 22 آب 2019 الأخذ باقتراح خليل تكليف سلامة بدء عمليّة البحث عن مكتب أميركي!
كما كلّفت الحكومة خليل بدراسة التكاليف الضريبيّة المتوجبة للدولة من أعمال شركة فتوش، والتي من شأنها خفض قيمة التّعويضات. وشكّلت الحكومة أيضاً لجنة مصغّرة مؤلّفة من الوزراء: ألبير سرحان وسليم جريصاتي وكميل أبو سليمان (باعتباره شريكاً في أحد مكاتب المحاماة في أميركا)، مهمّتها التأكّد من أنّ آل فتوش ينوون حقاً مقاضاة لبنان في أميركا.
لم تجتمع اللجنة يوماً ولم تتحرّ. كما لم تُكلّف الدّولة اللبنانيّة مكتب محاماة أميركياً، بعد أن حاولت رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة إسكندر (بعد أن أحال وزير العدل ألبير سرحان الأمر إلى الهيئة في تشرين الأوّل 2019)، بذل جهودها لتوفير بعضٍ من أتعاب المحامين، متعهّدة بصياغة رد جوابي للمحكمة وترجمته إلى الإنكليزيّة في حال أقام فتّوش الدعوى.
فعلها آل فتوش
انتهى عام 2019 وانقطعت أخبار مكتب المحاماة الأميركي لأكثر من 6 أشهر من دون أن تتبلّغ الدولة الدعوى المُنتظرة، حتّى ظنّ الوزراء أنّ خصمهم يهوّل عليهم لدفع التّعويضات كاملةً. لكن فصول الحكاية لم تنتهِ، بل تجدّدت حينما أعاد مكتب محاماة أميركي آخر يحمل اسم «Poblete Tamargo LLP» الاتّصال بوزير المال غازي وزني ووزيرة العدل ماري كلود نجم في شباط 2020، متوعّداً بالبدء بالإجراءات القانونيّة في حال لم تتوصّل الدّولة إلى تسوية مع بيار وموسى فتّوش.
هذه المرّة لم يؤخذ برأي سلامة، بل اقترح وزني إعادة إحياء المفاوضات مع آل فتوش، فيما تعهّدت نجم بمتابعة الملف قانونياً بالتّنسيق مع إسكندر.
في هذا الوقت نُمي إلى مسامع بعض المسؤولين أنّ الدعوى أُقيمت فعلاً ضدّ الجمهوريّة اللبنانيّة. لكن حتّى اليوم، لم تتبلّغ الدولة ممثلةً بهيئة القضايا في وزارة العدل الدّعوى بطريقة رسميّة، فيما قلّة قليلة من المسؤولين يُحاولون متابعتها عن بُعد لرسم خارطة الطريق المستقبليّة مُدركين أنّ التبليغ قد يتأخر بسبب العوائق الحاصلة في الولايات المتّحدة الأميركيّة مع انتشار فيروس كورونا، بالإضافة إلى قيام المحكمة الأميركيّة بترجمتها إلى العربية.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ مكتب «Poblete Tamargo LLP» للمحاماة تقدّم بدعوى ضدّ الجمهوريّة اللبنانيّة في إحدى المحاكم الأميركيّة وتمّ تسجيلها في 15 أيلول 2020، بالوكالة عن بيار وموسى فتوش بشأن إيقاف العمل بكسارة عين دارة التي أُعطيَت الرخصة بتاريخ 6 تمّوز 1994 لمدّة 25 عاماً، وعن الشركة التي يملكها الأخوان فتوش، بشأن إيقاف كسّارة حدث بعلبك التي مُنحت الرخصة في 31 أيلول 1998 لمدّة 20 عاماً.
وطالب المدّعون الجمهوريّة اللبنانيّة بدفع تعويض قيمته 565 مليون دولار، بالإضافة إلى الفوائد على المبلغ وتكاليف إقامة الدّعوى المقدّرة بـ20 مليون دولار وإيداع المبلغ بالدّولار في أحد الحسابات المصرفيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، داعين المحكمة إلى الحجز على أصول الدّولة اللبنانيّة في حال عدم تسديد المبلغ!
ما هي تداعيات الدعوى؟
يُطالب آل فتوش دولة مفلسة بدفع أكثر من نصف مليار دولار. فهل سيكون بمقدور المشتكين إلحاق الضرر بلبنان ماديّاً أو معنوياً؟
تنقسم الآراء القانونيّة حول مآل القضيّة. يعتقد البعض أنّ تقوم المحكمة الأميركيّة، وبعد اطّلاعها على الدّفوع الشكليّة لدفاع الدولة اللبنانيّة، بردّ الدعوى لعدم الاختصاص، على اعتبار أنّ لا صلاحيّة للمحاكم الأجنبيّة بمقاضاة لبنان في عقود بين طرفيْن لبنانيين في التزامات تعاقديّة داخل لبنان، على عكس قضيّة «liban cell» وسندات «اليوروبوند» مثلاً، حينما أخضع لبنان نفسه خضوعاً تعاقدياً للتحكيم الأجنبي (الإنكليزي والأميركي). كما يشير هؤلاء إلى أنّ الدّولة ليس لديها أصول خارج لبنان (باستثناء السفارات والقنصليّات الخاضعة للحصانة الدبلوماسيّة بحسب اتّفاقيّة فيينا)، حتّى يتمّ الحجز عليها.
وإذا كان التفاؤل يبدو طاغياً لدى هؤلاء القانونيين، فإنّهم لا يخفون وجود أضرار ماديّة. أوّلها دفع لبنان بدل توكيل مكتب محاماة أميركي وتغطية نفقات سفر وإقامة الفريق القانوني اللبناني. وقد تمتدّ القضيّة بين 3 و6 أشهر، في حين أنّ الطرف المدّعي قد يعمد إلى إطالة أمد الدّعوى والتأخير لممارسة المزيد من الضغط على الدولة اللبنانيّة.
وعليه، لن تنال عائلة فتوش، على الأغلب، التعويضات التي تُمنّي نفسها بها، ولكن يبدو أنّ هدفها الحقيقي هو حجز مكانٍ لها على طاولة المفاوضات، خصوصاً أنّ الدعوى لم تُقدّم إلّا بعد استقالة حكومة حسّان دياب. وإذا كان بيار فتوش أوحى أمام البعض أنّ كتاباً أُرسل من أميركا إلى «العدليّة»، فإنّ المعنيين في الوزارة ينفون هذا الأمر.
وبالتالي، فإنّ التأخير في التبليغ سيكون لمصلحة فتوش الذي لن يُفاوض حكومة تصريف أعمال بل سينتظر حكومة جديدة يزيد الضغط عليها، مع علمه المسبق بموقف «التيّار الوطني الحر» الذي جاهر به رئيسه جبران باسيل خلال جلسة مجلس الوزراء في آب 2019 بضرورة المضي قدماً بالمعركة القانونيّة بدلاً من الرضوخ لضغوط آل فتوش.
علي حسن خليل ووزني نصحا الحكومة بالتّفاوض مع فتّوش
وفيما يرفض نقولا فتوش الخوض في نقاش حول هذه القضيّة، مشيراً إلى أنّ شقيقه يرقد في المستشفى ووضعه دقيق بعد إصابته بـ«كورونا»، يخشى قانونيون من مسار الدعوى، محذرين من تجاهلها. يدعو هؤلاء الدولة إلى التعامل معها بجدية، إذ لا يُمكن الجزم بموقف المحكمة الأميركيّة، خصوصاً أنّ للبنان تاريخاً حافلاً في القضايا الخاسرة في المحاكم الأجنبية، والتي انتهت جميعها إلى عقد تسويات مع المدّعين.
يخشى القانونيون المتشائمون من أن تشرّع هذه القضيّة الباب أمام أصول الدولة في الخارج ومن بينها احتياطي الذهب الموجود بمعظمه في الولايات المتّحدة الأميركيّة، أو حتى إلى حسابات مصرف لبنان فيها. فيما يخفّف آخرون من وطأة هذه المخاطر، باعتبار أنّ مصرف لبنان يُعدّ شخصيّة معنويّة مستقلّة، تماماً كما يتمتع الذهب بالحصانة السياديّة.
«قضيّة عوْجَة»
ظِلّ «الفتوشيين» بقيَ حاضراً في أروقة القضاء وبين أسطر الخبراء الذين كُلّفوا بإعداد التقارير المفنّدة لحجم العطل والضرر الذي طاول العائلة من جراء توقيف العمل بالترخيصيْن الممنوحيْن لهم في عامَي 1994 و1995.
يشير متابعون لقضيّة آل فتوش إلى أنّها من الأصل «عوْجة»، مشكّكين في صحّة تقارير الخبراء الذين «ضخّموا المبالغ التي خسرها آل فتوش خلال مرحلة توقيف عمل الكسّارات»، على حدّ قولهم.
في المقابل، هناك من يؤكّد أحقيّة «الفتوشيين» في المطالبة بالتّعويضات بناءً على هذا التقرير، بعدما صرفت الدّولة النّظر عن متابعة القضايا التي بدأ نقولا فتوش، بالوكالة عن شقيقيْه بيار وموسى وشركتهما، برفعها على الدّولة اللبنانيّة في 29 آذار 2003. مراجعة تاريخيّة سريعة تُفيد بوجود تقريْرين مختلفيْن في هذه القضيّة. ففي التقرير الأوّل احتسب الخبراء لفتوش تعويضاً تبلغ قيمته 259 مليون دولار كتعويض عن ربحٍ مسبق ومستقبلي، عن كسّارة عين دارة وحدها (ما يعني أن تعويضات كسارة حدث بعلبك كان يمكن أن تصل أيضاً إلى نحو 400 مليون دولار!).
حينها تبلّغت الدّولة اللبنانيّة هذا التقرير عبر هيئة القضايا في وزارة العدل، إلّا أنّها لم تُحرّك ساكناً، ورفضت التّعليق باعتبار القضيّة تقنيّة، مطالبةً بالتنسيق مع الوزارات المعنيّة!
وحدهم أعضاء مجلس شورى الدّولة رفضوا التّقرير الأوّل بسبب احتساب الخبراء لقيمة الخسارة عن 17 عاماً (المدّة المتبقيّة لصلاحيّة الرخصة)، وقاموا بتعيين لجنة خبراء أخرى لاحتساب التّعويضات من 30 أيلول 2002 وحتّى 31 آب 2004… وهكذا صدر التقرير الثاني، من دون أن تقوم الدّولة اللبنانيّة بمراجعته أيضاً، ليصدر الحكم بناءً عليه. «بلعت» الدولة الحكم… حتّى يكاد اليوم يبلعها!
محامون برعاية الكونغرس
يرأس شركة «Poblete Tamargo LLP»، التي تقدّم بيار وموسى فتوش بواسطتها إلى القضاء الأميركي، كل من: جاسون ي. بوبلوتي وموريسيو ج. تامارغو.
الأوّل هو خبير في المسائل التنظيميّة الفيدراليّة والإجراءات التشريعيّة الفيدراليّة وتحقيقات الكونغرس. وتوكّل سابقاً عن عائلات في دعاوى مُقامة ضدّ حكومات أجنبيّة. كما أسّس منظّمة غير ربحيّة لمناصرة الأشخاص المضطهدين سياسياً من قبل الحكومات الشموليّة، وفق ما ورد في سيرته الذاتيّة المنشورة على موقع المكتب.
أمّا تامارغو، فقد غادر منصبه كرئيس للجنة تسوية المطالبات الأجنبيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة التابعة لوزارة العدل في شباط 2010 ليؤسّس مكتب المحاماة. كما شغل سابقاً العديد من المناصب العليا في الكونغرس، كمدير الموظفين والمستشار القانوني لثلاث لجان تابعة للكونغرس.
ويشير المكتب إلى أنّه يساعد عملاءه في القضايا السياسيّة التي يُشرف عليها الكونغرس، ووزارات الخارجيّة والخزانة والتجارة.
ولا يُعدّ المكتب، بالنسبة إلى المحامين الأميركيين، في مرتبة بارزة ضمن أكبر مكاتب المحامين في الولايات المتّحدة الأميركيّة، خصوصاً أنّ مقرّه في ولاية فرجينيا فيما تكون مقرات المكاتب المرموقة عادةً في واشنطن ونيويورك.
نصّ الدعوى
تشير الدّعوى المُقدّمة من قبل آل فتوش ضدّ الجمهوريّة اللبنانيّة، في متنها إلى أنّ المدّعين صرفوا المال والجهد والوقت والرأسمال المادي والمعنوي بغية تطوير أعمال الكسّارتين في عين داره وحدث بعلبك، قبل أن تقوم الدولة في 28 تمّوز 1999 بالتدخّل في عملهم وإلغاء الرخصتين المعطاتين لهم، ثمّ أقدمت على إقفال العمل نهائياً وإلحاق الضرر بالكسّارتين.
وتذكّر الدعوى بأنّ المدّعين سبَق لهم أن لجأوا إلى مجلس شورى الدّولة الذي أبطل قرار الحكومة الذي يحمل الرقم 31/99 (إلغاء العمل بالتراخيص الممنوحة)، ومنح الحق لهم بمباشرة العمل بالكسّارتيْن.
حاول آل فتوش، بحسب نص الدعوى، إعادة العمل بالكسارتيْن إلّا أنّ الدولة منعتهم من استكمال أعمالهم، بما يُشكّل انتهاكاً لقرار مجلس شورى الدولة، ثم أرسلت الحكومة القوى الأمنيّة لتفكيك معدّات الكسّارات في عام 2003.
وذكّر المدّعون باستحصالهم على 4 أحكام مبرمة ونهائيّة صادرة من قبل «الشورى» تقر لهم بالتعويض الذي بلغت قيمته حوالى نصف مليار دولار، مشيرين إلى أنّهم حاولوا، وبحسن نيّة، عقد تسوية مع الدّولة، إلّا أنّ الدولة ولأسباب مجهولة قامت بتحوير مسارها.
وبسبب عدم وصول المدّعين إلى نتيجة من جراء التسوية، عادوا ولجأوا إلى «الشورى» الذي جدّد بدوره أحكامه السّابقة بضرورة التّعويض عليهم.
«دهاء» السنيورة
في أواخر عام 2017 بَلغت الدّعاوى المُقدّمة من قبل آل فتوش في مجلس شورى الدّولة 34 دعوى ضدّ الدولة اللبنانيّة، فيما كانت الدّولة قد تقدّمت بطلب إعادة المحاكمة سابقاً.
وعليه، فاوض رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة المشتكين، ليتوصّل الطرفان إلى اتفاق تسوية في 10 كانون الثاني 2008 يقضي بأن يتنازل بيار وموسى فتّوش وشركتهما عن كلّ الدّعاوى ولا يُطالبا بتعويضات عن وقف العمل بكسّارتهما في الجيّة، مقابل أن تتنازل الدّولة عن إعادة المحاكمة وتلتزم بتطبيق قرار «الشورى». ونصّ البند الأخير على عبارة «نسعى للتوصّل إلى تسوية على المبلغ المالي».
إذاً، أعطى السنيورة لآل فتّوش موافقة الدّولة على إعطائهم التّعويضات، ولكنه في المقابل لم يوقّع على اتفاقيّة التّسوية! «دهاء دولته» أجبر نقولا فتوش على التنازل عن كلّ الدّعاوى مقابل ترك قضيّة التعويضات مُعلّقة.
ويشير قانونيون إلى أن «الشورى» طلب توضيحاً من السنيورة بشأن عدم توقيعه على الاتفاقيّة، فأرسل الأخير كتاباً ثانياً يؤكّد فيه موافقته النهائيّة على الاتفاقيّة، ولكنه أصرّ على عدم توقيعها.
حينها، وافق «الشورى» على تدوين التراجع، بمعارضة اثنين من أعضائه هما ألبير سرحان وسميح مدّاح اللذان أشارا إلى أنّ هذه الاتفاقيّة هي عبارة عن مصالحة وليس تدوين رجوع.
وكان من المفترض أن يُلحق تدوين الرّجوع باتّفاق آخر يُحدّد المبلغ المالي الذي اتفق عليه الطرفان، إلّا أنّ الأمر لم يحصل. يقول العارفون إن السنيورة جلس مع فتوش بعدها وعرض عليه أقل من 25 مليون دولار، ولكن الأخير خرج من السراي غاضباً… ولم يَعُد.
كثيرةٌ هي الحكايات المنسوجة حول هذا الاتفاق، إذ أنّ السنيورة وحده هو من اتّفق مع فتوش من دون علم الوزارات المعنيّة. ويلفت البعض إلى أنّه قد يضر لبنان في الدعوى في أميركا على اعتبار أنّ فتوش قد يستغلّ نسخة الاتفاق لمصلحته.