Site icon IMLebanon

الإفتاء السعوديّة: العائدُ في هبته… كالكلب

قبل 18 عاماً، تلقّى مفتي عام المملكة العربيّة السعوديّة الشيخ عبد العزيز بن باز سؤالاً من أحد الأشخاص كاستفتاء شرعي، وذلك ضمن الرسائل الموجّهة إليه عبر جريدة “المسلمون”… وقد أجاب.

السؤال: “ما حكم من رجع في هبته، وهو أنه أعطى رجلاً مبلغاً من المال على سبيل الهبة ثم رجع فيه؟”. سُيجيب المفتي، بتاريخ 5/6/1419 للهجرة (1998 ميلادي) بالآتي: “حكمه أنه آثم، وعليه التوبة من ذلك، وردّ الهبة إلى صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب، يقيء ثم يعود في قيئه. وقول النبي (أيضاً): لا يحل لمسلم أن يعطي العطيّة ثم يرجع فيها، إلا الوالد في ما يعطي ولده. والله ولي التوفيق”.

الشيخ ابن باز، المفتي “الأعظم” في تاريخ المملكة، يقول للملك سلمان، وولي عهده محمد بن نايف، وولي ولي عهده، وابنه، محمد بن سلمان: “أنتم آثمون، لا تكونوا كالكلاب…”. ليست الكلاب هنا بالشيء السيّئ، فكثيراً ما تُظلم هذه الكائنات، ولكن الحديث عن فعل “العود في القيء”. آل سعود، العائلة الحاكمة، خالفوا هنا النص الشرعي ــ الوهابي الصريح للفتوى (أو الحكم الشرعي). سحبوا الهبة المالية “المقدّمة” للجيش والقوى الأمنيّة في لبنان.

الشيخ ابن باز ليس شخصيّة دينيّة عابرة. هو بمثابة “الأسطورة” في السعوديّة، في الماضي والحاضر، وقد أصبحت فتاويه، في حياته وبعد مماته، بمثابة دستور ديني (ضمني) للبلاد. هي المرجع العملي الذي لا يُعلى عليه، وقد جُمعت في مجلدات وأصبحت مرجعاً لكل من سيأتي بعده. يكفي أن يُشار إلى أن المفتي الحالي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، كان أحد أنجب تلامذة الشيخ ابن باز، إذ درس عليه ردحاً من الزمن، وهو اليوم في برامجه الفقهية، على الهواء، يُحيل المتصلين دوماً إلى فتاوى شيخه وأستاذه الراحل. الحديث يدور هنا عن المؤسسة الدينيّة الوهابيّة الرسميّة في السعوديّة… لا عن مجرّد دعاة متفرّقين هنا وهناك، أو أئمة مساجد مغمورين. لم تبقَ فتوى ابن باز مجرّد ردّ على سائل في جريدة، بل نُقلت، لاحقاً، وأصبحت ضمن الفتاوى الثابتة لدى “الرئاسة العامة للبحوث العلميّة والإفتاء” في السعوديّة (موجودة في المجلدات وعلى الموقع الإلكتروني الرسمي للمؤسسة).

اللافت في الفتوى (الحكم) أنه بالاستناد إلى الحديث الوارد في “صحيح البخاري” وغيره، والذي أشار إليه ابن باز، أن الهبة، أو العطيّة، يمكن الرجوع فيها في حالة واحدة فقط، وهي: “الوالد في ما يُعطي ولده”. وهنا يأتي السؤال: هل رأى آل سعود، بعد تراجعهم في الهبة التي (كانت) قُدمت إلى لبنان، أنهم بمثابة الوالد للبنان، مثلاً؟ أم أن السبب هو قرابة رئيس الحكومة الأسبق، سعد رفيق الحريري، منهم، بمعنى حمله للجنسيّة السعوديّة (إلى جانب اللبنانيّة)… وبالتالي فهم معذورون شرعاً؟ أم أن المسألة أبعد من ذلك؟ سؤال سيكون على المفتي الحالي للسعودية أن يُجيب عنه.

في الواقع، آل سعود ليسوا وهابيين، بالمعنى العملي للكلمة، التطبيقي، أو قل “التقوي”. حجّة من يقول بذلك قويّة. المسألة واضحة منذ زمن بعيد. تكفي قراءة الكثير من سيَر ملوك وأمراء تلك العائلة، من سبق منهم ومن لحق، الذين لم يتركوا “علبة ليل” في العالم إلا و”رشّوا” الفلوس فيها… وعليها. الوهابيّون الحقيقيون تجدهم عند “داعش” و”القاعدة” وما شاكل. هؤلاء هم المخلصون لعقيدتهم، الأوفياء لما درّسهم إيّاه الشيخ ابن باز، وتلامذته من بعده، وهم لطالما أشادوا به وبجّلوه، إلى أن غدر بهم، وأفتى بعكس ما درّسهم، إذ خرج ذات يوم ليفتي بشرعيّة السماح للأميركيين “الكفّار” بأن يدخلوا جزيرة العرب، وقد دخلوا.

ربما لم يفهم أحد آل سعود كما فهمهم، من الداخل، أسامة بن لادن، أيقونة تنظيم “القاعدة” وما تلاها، إذ قال ذات مرّة في كلمة له بُثّت على قناة “الجزيرة” القطريّة: “إن الملك عبد العزيز آل سعود صنيعة بريطانية، وإنه كرزاي الرياض. الذين نصّبوا كرزاي الرياض جاؤوا به بعد أن كان لاجئاً في الكويت، قبل قرن من الزمان، ليقاتل معهم ضد الدولة العثمانية وواليها ابن الرشيد… وما زالوا يرعون هذه الأسر إلى هذا اليوم. فلا فرق بين كرزاي الرياض وكرزاي كابل، فاعتبروا يا أولي الأبصار”.