تحوّل العميد المتقاعد المدان بالعمالة لإسرائيل فايز كرم في ليلة وضحاها، من أحد أهم المسؤولين في التيار الوطني الحر وأبرز المقربين من قائده، الى مجرد محكوم معزول من القاعدة العونية وغالبية أبناء منطقته. منذ مدة، يحاول كرم عبثا إعادة «كودرة» مناصريه طمعا بدور سياسي
حتى يوم توقيفه، كان العميد المتقاعد المدان بالتعامل مع العدو الاسرائيلي فايز كرم، العونيّ الرقم واحد تنظيمياً في الشمال (من البترون حتى عكار)، وواحداً من أبرز قيادات الصف الأول في التيار الوطني الحر. لكن، ما قبل ثبوت عمالته غير ما بعده. خسر كرم، بعد توقيفه، الامتياز تلو الآخر حتى وجد نفسه خارج أسوار السجن من دون رتبته والجمهور.
أول ما فعله بعد السجن كان محاولة تلميع صورته على ثلاثة مستويات: أولاً، مصالحة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي «فوجئ» بدخول كرم عليه في الرابية يوم خروجه من السجن، فسعى إلى إنهاء الزيارة بأسرع ما يمكن. (هذه الرواية يقدمها مقربون من عون، متنصلين من تلك الزيارة اليتيمة). ثانياً، التواصل مع أكبر عدد ممكن من رفاقه السابقين في التيار في محاولة لكسب ثقتهم مجدداً. ثالثاً، تعويض خسائره الزغرتاوية الكثيرة لعدم وجود سابقة زغرتاوية من هذا النوع، معوّلاً على التهاني والتعازي. وهو وحّد مساعيه في الاتجاهين الأخيرين حين نظم حفل عشاء أخيراً في مطعم جسر رشعين في زغرتا.
في حسابات كرم أن النائب سليم كرم تقدم في انتخابات 2009 على المرشح ميشال معوض بنحو 800 صوت، وبالتالي، ليس المطلوب منه سوى ضمان ولاء 400 ناخب زغرتاوي ليقلب موازين القوى في زغرتا في حال تحالفه مع معوض، مفترضاً أن هذا سيدفع العماد عون والنائب سليمان فرنجية إلى وصل ما انقطع معه. غير أن حسابات حقل كرم لم تطابق بيدر زغرتا، فخرج من العشاء خالي الوفاض سياسياً وشعبياً، رغم حضور الكثير من أصدقائه السابقين، في ظل مقاطعة غالبية عائلات زغرتا والتيار الوطني الحر وتيار المردة بناء على طلب عون وفرنجية.
مصادر الرابية: الموضوع بالنسبة إلى عون صفحة وانخزقت
في اليوم الذي تلا مقابلته التلفزيونية الأخيرة، الأسبوع الماضي، أعاد كرم نشر صورة قديمة على صفحته الفايسبوكية كان قد وضعها في نيسان 2012، تظهر وجهه وسلاسل محطمة تحت شعار «كرم راجع»، وقد تم شطب حرف الألف باللون الأحمر، تماما كما دأب العونيون على شطبه من شعار «عون راجع». الا أن عودة كرم التلفزيونية القوية لا تقارن بعودته الميدانية، إذ لا يتجاوز عدد المتحلقين حوله 30 ناشطاً غالبيتهم من العسكريين المتقاعدين وأبناء البلدة الذين انتسبوا سابقاً الى التيار بناءً على طلبه، ولم يجددوا بطاقاتهم أخيراً بناءً على طلبه أيضاً. وتشير معلومات «الأخبار» الى أن كرم لم يوفّر، قبيل تصعيده ضد عون، صديقاً مشتركاً إلا ولجأ اليه لجمعه به من دون أن يلقى ردّاً ايجابياً من الرابية. وأخيراً، حاول اللعب عاطفياً من خلال احدى الراهبات المقربات من عون، لكن مساعيه باءت مرة أخرى بالفشل. على المقلب الآخر، «صدّ نواب زغرتا كل الأبواب في وجهه كما غالبية الناشطين العونيين في القضاء وخارجه، فزادت عزلته». لذلك، كان من الطبيعي أن يستخدم «ورقته شبه الأخيرة للعودة، محاولاً الدخول من الباب الاعلامي الى قلوب العونيين مجدداً عبر التقليل من أهمية التهمة التي أدين بسببها، وتغليب نظرية الاعتقال السياسي على الادانة الأمنية الموثقة بالأدلة».
يقول أحد أبرز المقربين من كرم، الزغرتاوي فريد حبيش، لـ «الأخبار» إن كرم «يحظى بتعاطف كبير من قبل العونيين نظراً إلى الطريقة التي عامله فيها فرع المعلومات الخصم». أما الشباب المحيطون به اليوم «فيرون في كرم رجلاً يعبّر عن مكنوناتهم ويتحدث بلسانهم ويعمل وسطهم ومن أجلهم»، ويضاف الى هؤلاء «ناشطون من عائلتي فرنجية ومعوض محررون من القيدين العائلي والاقطاعي». ويلفت حبيش الى أن القاعدة العونية في زغرتا «كانت تناصر العميد قبل أن يتأسس التيار، وهي الرعيل العوني الأول الذي يمثل الوجدان والتاريخ». فيما كان يمكن، على المقلب الآخر، رصد جمهور عوني متعاطف مع كرم عشية المقابلة رغم تمني عون من مناصريه الامتناع عن التعليق سلباً أو ايجاباً. هؤلاء مجموعة من الشبان والفتيات المناصرين «للعميد المظلوم الذي اعتقله جهاز خصم لا نثق به هو فرع المعلومات». وهم على اقتناع بأن كرم «بريء، ولكن البعض من التيار وخارجه تعمّد ايصال صورة سيئة عنه الى الجنرال». ومن هؤلاء الناشطة ايفون صعيبي التي تؤكّد أنها «مقربة جداً من العميد كرم وهو صديق غالٍ وأنا مؤمنة بقضيته وببراءته. وهو أشرف من كتير ناس، بيكفي انو كان رمز النضال والشرف لما كتير مشيوا مع السوريين». وبالمناسبة، ايفون حزبية وتزور الرابية باستمرار. كما أنها ليست العونية الوحيدة المتعاطفة مع كرم والمقتنعة ببراءته، بل يحذو حذوها عونيون كثر عبّروا عن ذلك على فايسبوك، أمثال جورج فرح وكارل قزي ودونالد فرح وغيرهم. مسؤول هيئة التيار في زغرتا بول مكاري يقتضب في الكلام عن صديقه السابق، فغداة خروجه من السجن حصرت العلاقة بالـ«مرحبا اذا ما التقينا»، نافياً اتهام كرم له بثني الحزبيين عن حضور حفل العشاء عبر تهديدهم بسحب بطاقاتهم.
يسرّ أحد المقربين من العماد عون أن «حساسية ملف كرم جعلته يبتعد من تناوله. فالموضوع بالنسبة اليه صفحة وانخزقت». يكتفي عون بالتمني، قبيل كل مناسبة يظهر فيها كرم من الناشطين عدم الاتصال او الاجتماع به. وقد امتنعت الرابية أيضاً عن الردّ على «فشات خلق العميد، ومحاولات استدراجنا الى الاشتباك معه اعلامياً أو التواصل معه» رغم نشر صفحة التيار الوطني الحر الفايسبوكية (تعرّف عن نفسها بأنها الصفحة الرسمية للتيار) كلاماً عقب المقابلة تنصح فيه العميد كرم «عوضاً عن الحديث عن الوفاء بمراجعة محاضر التحقيق، اذ يبدو أنه نسي ما اعترف به». يثير ما سبق الالتباس خصوصاً أن صعيبي، مثلاً، تشير الى «اطلاع الجنرال على لقائي الدوري بالعميد»، فيما يؤكد ناشط آخر أن لا قرار رسمياً من الرابية بفصل كرم من التيار ولم يشغل أحد منصبه رسمياً حتى اليوم. وهو ما «يزيد اقتناعنا ببراءة العميد وبأن كل ما حصل لا يتعدّى المؤامرة السياسية». الأكيد هنا أن فايز كرم ليس عصام أبو جمرا، فلا القاعدة العونية تخلت عنه فعلياً عقب غضب عون منه ولا عون نفسه آثر اتخاذ اجراءات صارمة بحقه أكان حزبياً أو اعلامياً كما فعل مع كثيرين كانت ارتكاباتهم أقل من كرم بكثير.