«أخشى إبطال الطائف وأن يكون البديل اتفاق قصر الصنوبر»
لا يخفي النائب فيصل كرامي ارتيابه من السياقات غير المألوفة في الحياة السياسية اللبنانية التي رافقت المشهد الحكومي الاخير، وهو يرى بوضوح «ان بعض القوى في لبنان تعتبر انه آن الأوان للانقضاض على اتفاق الطائف، وهي قوى تتحاشى حتى ذكر كلمة الطائف، باعتبار ان هذا الاتفاق يعزّز موقع رئيس مجلس الوزراء السنّي، وان بدء التخلص من عبء الطائفي يكون بتقليص مكانة وهيبة الرئاسة الثالثة، تمهيداً لما يسمّى اليوم «بالعقد السياسي الجديد».
ويرى كرامي في حديث لـ «اللواء»، ان «الدعوات الى قيام دولة مدنية في لبنان هو نوع من المزاح السياسي، خصوصاً وان الداعين الى هذه الدولة المدنية يشترطون إجماعاً لبنانياً كاملاً عليها، الامر الذي دونه عواقب وصعوبات تجعل من الدولة المدنية حلما مستحيلا».
ويقول كرامي «لو صدقت النيات تجاه الدولة المدنية، فالاولى ان يتم تطبيق الطائف الذي نصّ على آليات عملية للذهاب صوب نظام سياسي يتخفف من الطائفية السياسية بشكل تدريجي، ووفق برنامج زمني كفيل بأن يحقق للبنانيين افضل الممكن، سواء عبر الوصول الى مجلس نيابي وفق قانون عصري وخارج القيد الطائفي، او عبر انشاء مجلس شيوخ يكون البديل الطبيعي للمجلس الملّي ويمتص هواجس الطوائف والمذاهب، وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية.
ويتابع كرامي: كل هذه النصوص التي يتضمنها الطائف يتم التعامي عنها بعد ثلاثة عقود من تعليق تطبيقها، لصالح مصطلحات دخيلة طبعت المشهد السياسي اللبناني ابرزها التوافق والديمقراطية التوافقية وتوّجت ببدعة وصول الرئيس الاقوى في طائفته الى سدة المسؤولية في المؤسسات الدستورية، بدءاً برئاسة الجمهورية مروراً برئاسة المجلس النيابي وصولاً الى رئاسة مجلس الوزراء.
واضاف كرامي: المألوف في لبنان، ما قبل وما بعد الطائف، ان يُجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس مكلّف لتشكيل الحكومة خلال مهلة لا تتجاوز ٤٨ ساعة على استقالة الحكومة القائمة، ولكن، نحن اليوم نعيش بدعة التأليف قبل التكليف، وبتعبير أدق التوافق على شخص الرئيس المكلّف وطبيعة وربما وزراء الحكومة، قبل اجراء الاستشارات التي تحوّلت الى شكليات ولزوم ما لا يلزم.
ويحدّد كرامي بوضوح «المخالفات الدستورية التي يصحّ وصفها بالبدع التي شهدها لبنان في الايام الاخيرة».
اولاً، لقد جرى حصر مهمة تسمية الرئيس المكلف بما يسمّى رؤساء الحكومات السابقين، والذين بدروهم وضعوا ثلاثة اسماء وارسلوها الى رئيس الجمهورية ورؤساء الاحزاب السياسية الكبرى، ليتم اختيار الاسم المحظوظ من بينها. وهي بدعة غير مسبوقة وغير آمنة، ولا تعبّر سوى عن مدى الضعف والترهّل الذين وصل اليهما موقع رئاسة الحكومة في التركيبة اللبنانية، ما يعرّض التوازنات الطائفية في البلاد للانهيار، فضلا عن نسف اتفاق الطائف جملة وتفصيلا.
هل هذا هو العنوان الاول للعقد السياسي الجديد الذي يتم التلويح به؟ يتساءل كرامي ويجيب: اذا كان العقد السياسي العتيد يتأسس على هذه البدعة التي تلتها عدة بدع، فعلى اللبنانيين ان «يخبزوا بالافراح.
ولا يخفي كرامي في هذا السياق استغرابه «لبدعة ثانية تمثّلت بنقل المشاورات النيابية التي يجريها الرئيس المكلّف مع الكتل النيابية من المجلس النيابي الى مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة، واذا كان المبرر هو ان مبنى مجلس النواب تعرّض لأضرار جرّاء انفجار مرفأ بيروت وهو غير صالح لإجراء هذه المشاورات، فالاولى والاصح هو نقل المشاورات الى السراي الكبير او الى الاونيسكو بدل عين التينة». ويقول: ثمة من يرى ان هذه المشاورات هي في النهاية شكلية وغير ملزمة، ما يجعل مكانها وما يدور فيها غير ذي اهمية، وهذا كلام غير صحيح، لأن من اولويات الناحية الشكلية لهذه المشاورات الحفاظ على مكانة وهيبة الرئيس المكلّف، والمؤسف ان الكثير من رؤساء الكتل النيابية لم يكلفوا انفسهم عناء الحضور والمشاركة في المشاورات، وارسلوا نواب الصف الثاني للقاء الرئيس المكلّف الذي يبدو انهم صنّفوه بأنه صف ثان.
وطبعا لا يغفل فيصل كرامي الدور المحوري للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في ترتيب هذا المشهد والضغط في سبيل تسريعه وانجاحه، ولكن يقول كرامي «من الطبيعي والمنطقي ان اتساءل انا وسواي لماذا البحث عن عقد سياسي جديد ونحن لدينا اتفاق الطائف الموضوع منذ ثلاثين عاما ولم يطبق منذ ثلاثين عاما، وبالتالي ما هو العقد السياسي الجديد الذي يتم اعداده للبنان؟ في هذا السياق انا ارى بوضوح ان هذه المسارات ستوصل الى إبطال اتفاق الطائف على ان يكون البديل اتفاق جديد ربما يكون اسمه اتفاق قصر الصنوبر».