للمرة الثانية خلال شهر تقريباً، زار رئيس تيار «الكرامة» النائب فيصل كرامي تركيا، مستكملاً ما كان قد بدأه في المرة الأولى. فما هي الحصيلة التي عاد بها، وكيف يردّ على المرتابين في دوافع تفعيل تواصله مع أنقرة؟
خلال الزيارة الثانية التي دامت أياماً عدة، اختلط البعد الإنساني بذاك السياسي في نشاط كرامي، الذي التقى نواباً وممثلين عن وزارة الخارجية وحزب «العدالة والتنمية» إضافة الى رئيس الشؤون الدينية (مفتي تركيا)، بينما حال وباء كورونا دون أن يتمكن من الاجتماع الى رئيس مجلس النواب الذي أُصيب بالفيروس، وشخصيات أخرى للسبب نفسه.
ويأتي قرار كرامي بتعزيز الانفتاح على الأتراك في وقت يكثر الكلام حول دور متزايد لهم على الساحة الشمالية من بوابة المساعدات الاجتماعية، ما دفع البعض الى التساؤل عمّا اذا كان نائب طرابلس يسعى إلى ملاقاة هذا الدور والتفاعل معه لتقوية موقعه وحضوره في عاصمة الشمال، وبالتالي في المعادلة السياسية.
كذلك، فإنّ هناك من يطرح علامات استفهام حول موقف «حزب الله» من العلاقة المستجدة لحليفه الشمالي مع أنقرة، ورأي دمشق في هذه العلاقة، خصوصاً وسط العداء المستحكم بينها وبين الأتراك.
أما كرامي فلا يجد مبرّراً للهواجس، من أيّ نوع كانت، وهو يؤكّد لـ»الجمهورية»، أنّ رحلته الجديدة الى تركيا أتت امتداداً للجولة الأولى من اللقاءات قبل نحو شهر، والتي لم يتسنَ له استكمالها في حينه، نتيجة العوائق التي فرضها كورونا، مؤكّداً أنّ الغرض الأساسي مما يفعله، مساعدة الشمال وطرابلس صحياً واستشفائياً وتربوياً وإغاثياً في مواجهة الأزمات المتراكمة، «وأنا مستعد للذهاب إلى آخر الدنيا وليس فقط الى تركيا، من أجل مساندة أهلي في هذه الظروف الصعبة، وأستطيع الآن أن أعتبر أنني أدّيت واجبي في شرح حقيقة الأوضاع الاجتماعية الصعبة للأتراك، وبالتالي أصبحت الكرة في ملعبهم، مع إصراري على أنّ أيّ مساعدات محتملة يجب أن تمر عبر جمعياتهم وسفارتهم في بيروت وليس عبري».
ويكشف كرامي بعضاً ممّا دار في اجتماعاته مع المسؤولين الأتراك قبل أيام، لافتاً الى انّهم أكّدوا أمامه حرصهم على استقرار لبنان ووحدة شعبه، وعدم الإنحياز إلى أي طرف على حساب آخر، ناقلاً عنهم رفضهم ان يكونوا «رعاة لجهة ضدّ جهة أخرى كما يفعل غيرنا».
ووفق كرامي، أبلغ اليه المسؤولون الذين التقاهم، بأنّهم يتعاطون مع لبنان من زاوية الجمع والتعاطف، لا التفرقة أو زعزعة الوضع الداخلي، معربين عن استعدادهم للتدخّل الإيجابي، حيث يكون في امكانهم أن يساعدوا حصراً، ومشيرين الى أنّه انطلاقاً من هذه القاعدة، «نحن ندعم الجيش اللبناني لأنّه موضع إجماع وطني، وقدّمنا مساعدات بعد انفجار المرفأ، لأنّ هذه القضية هي إنسانية وجامعة».
ويشدّد كرامي على أنّه أبدى خلال النقاشات مع الشخصيات التركية، تمسّكه بثوابته الاستراتيجية وفي طليعتها المقاومة ضد العدو الاسرائيلي، لافتاً في هذا السياق الى أنّ «انتماء الأتراك الى القضية الفلسطينية والقدس هو عميق، من سائق التاكسي حتى كبار المسؤولين السياسيين».
ولكن، ألا يزعج انفتاح نائب طرابلس على أنقرة «حزب الله» والجار السوري؟ يجيب كرامي: «علاقتي الوثيقة بالحزب معروفة، ولا أظن أنّه سيمانع للحظة في أيّ أمر يمكن أن ينعكس خيراً غير مشروط على الشمال المحروم، بل سيكون «ممنوناً»، ثم انني شدّدت من قلب تركيا على تمسّكي بخيار المقاومة ضدّ الاحتلال، وثوابتي لن تتغيّر حتى يأخذ الله أمانته. أما بالنسبة إلى سوريا، فإنّ تحصين الأمن الاجتماعي لطرابلس من دون شروط سياسية هو لمصلحتها. أضف الى ذلك، انّه من المهم أن نكون اقوياء في بيئتنا، لأنّ من شأن ذلك أن يشكّل ضمانة لحلفائنا، بينما الضعف يولّد فراغاً يمكن أن يملأه المتضررون من خطنا».
وتعليقاً على إتهام أنقرة بأنها تؤدي دوراً مشبوهاً في لبنان على المستوى الميداني، يدعو كرامي أصحاب هذه الإتهامات الى إظهار أدلتهم، متسائلاً: «لو أنّ ما يروّج صحيح، لماذا لا يتمّ استدعاء السفير التركي في بيروت للاحتجاج؟ ولماذا لا تُقطع العلاقات مع أنقرة؟ ولماذا لا تتحرّك الأجهزة الأمنية؟ ولماذا يقبل الجيش هبات من تركيا»؟
تجدر الإشارة، إلى أنّ لقاءات كرامي شملت كلاً من: رئيس الشؤون الدينية التركي البروفيسور الدكتور علي أرباش، نائب وزير الخارجية التركي يافوز سليم كيران، نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية» الدكتور جودت يالمز، النائبين عن الحزب أمرالله إيشلار وعلي ارجوشكوم، مستشار أردوغان الدكتور ياسين اقطاي، رئيس فرع الشباب في حزب «العدالة والتنمية» النائب احمد بويوكموش، رئيس منتدى التعاون الاسلامي للشباب طه ايهن، ومدير عام مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية «سيسرك» التابع لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور نبيل دبور.
ولا يفوت كرامي العائد من اسطنبول ان يتضامن مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، رداً على التلويح باحتمال ان تشمله العقوبات الأميركية. ويقول: «اللواء ابراهيم هو ضمانة للأمن وصمام أمان للعلاقة مع الخارج، وليس مسموحاً لكتبة التقارير أن يستهدفوا دوره وشخصه، لأنّ هذا الاستهداف يزعزع استقرار لبنان، ونحن لن نسمح به، وندعو القضاء الى اعتبار تحريض المخبرين على إبراهيم إخباراً يستدعي ملاحقتهم».