تواجه مشاورات التأليف أفقاً مسدوداً على الرغم من المحاولات الحثيثة التي يقودها الثنائي الشيعي مع كل من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي انتقل في هذه الجولة من الكواليس إلى الواجهة، ليقود المفاوضات بشكل مباشر، بعدما كان رئيس الجمهورية ميشال عون يتولى المهمة نيابة عن “التيار الوطني الحر”. حتى الآن، لا خرق جدياً قد يشي بأنّ الانفراج الحكومي بات قريباً ولو أنّ المتابعين يتحدثون عن ضغوط دولية وإقليمية مرشّح لها أن تشتدّ خلال الأيام القليلة المقبلة، لكون الدول المعنية بالملف اللبناني لا ترغب بانفجار الوضع بشكل قد يطيح بكامل الاستقرار، وتفضّل قيام حكومة اصلاحية تلبّي أجندة الشروط المالية والاقتصادية لكي تعيد الانتظام إلى الوضع اللبناني.
إلا أنّ حسابات القوى اللبنانية أشد تعقيداً من امكانية معالجتها بقرار ذاتي، حيث لا يبدو أنّ الحريري مستعجل على التأليف اذا لم يأته ضوء أخضر سعودي، ليس جاهزاً بعد، فيما باسيل يفضّل أن يجيّر توقيع رئاسة الجمهورية لمصلحة ضمان مستقبله السياسي، ولا يبدو أنّ أياً من الدول المعنية بالملف اللبناني على استعداد لتقديم هذه الضمانات لرئيس “التيار الوطني الحر”. وهذا ما يزيد تعقيد مشهدية التأليف، أقله في الوقت الحالي.
ولهذا تعتقد بعض الجهات الفاعلة أنّ رئيس “تيار المستقبل” سيذهب حكماً إلى الاعتذار خلال الأشهر القليلة المقبلة اذا ما استمر الأفق الاقليمي مقفلاً بوجهه، لا سيما وأن بعض العواصم المعنية خرجت من اطار الأسماء الضيق، وباتت تبحث عن خريطة طريق حكومية تكبح جماح الانهيار بمعزل عمن سيرأس هذه الحكومة. وهنا تتحدث التقديرات عن احتمال اعلان الحريري اعتذاره عن التأليف، نهاية العام الحالي، ليكون على مسافة قريبة من الاستحقاق النيابي (الربيع المقبل)، ليخوض حملته الانتخابية من باب المعارضة لا السلطة.
على هذا الأساس، يصير لحركة النائب فيصل كرامي الكثير من المعاني والرسائل، كونها تأتي في لحظة متغيّرات اقليمية، قد تصبح مع الوقت لمصلحته، وعلى حساب خصومه، من دون أن يعني أنّ النائب الطرابلسي قد يدخل السراي الحكومي بين ليلة وضحاها، لكنه بالنتيجة، قد يصير حكماً أحد المرشحين البارزين لدخولها.
ولهذا يصرّ الرجل على أنّ فحوى جولته على القوى السياسية والمرجعيات الدينية لا تدخل أبداً ضمن تسويق ترشيحه، ولكنه ضمن حراك لا بدّ منه لبلورة أي صيغة قد تخرج البلاد من عنق الانهيار الحاصل، وفي ضوء الانسداد الحاصل بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي ورئيس الحكومة المكلف من جهة مقابلة، خصوصاً وأنّ هذا الخلاف قد يحول دون تمكّن الحكومة، في ما لو شكّلت، من القيام بدورها الانقاذي على أكمل وجه. اذ لا يمكن لأي رئيس حكومة أن ينجح في مهمته اذا لم يكن على تفاهم تام مع رئيس الجمهورية، بدليل ما شهدته التجارب الماضية من اخفاقات حين كان الخلاف سيد العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة. لكن هذا التحرك لا يلغي الواقع بأنّ كرامي ليس طارئاً على الحياة السياسية أو مسقطاً بالبراشوت، فيما أفكاره وثوابته معروفة للجميع، إن لناحية عروبية خطابه أو ايمانه بالعيش المشترك، فيما نظرة الكرامية السياسية لفرادة التركيبة اللبنانية مثبتة بالتجربة، كما سلوكها في إدارة شؤون الدولة.
من هنا، تحمل زيارة وفد السفارة الأميركية إلى كرامي في هذا التوقيت بالذات، دلالات معبّرة، خصوصاً في ضوء ما يتسرب من كلام عن دبلوماسيين غربيين تهتم بلدانهم بالشأن اللبناني، حيث ينقل عن هؤلاء اعتقاد بلدانهم بأنّ البحث عن حلول تقي لبنان شرّ الوقوع في مستنقع الفوضى، قد يقضي تجاوز هوية رئيس الحكومة للبحث في أفكاره ورؤيته السياسية والإقتصادية الإنقاذية. ولذا من غير المستغرب ألّا يدخل الأميركيون، خلال لقائهم مع كرامي في الكثير من التفاصيل، والاكتفاء بالاستماع إلى وجهة نظره من كافة التطورات والأحداث، كما إلى نظرته للأمور… ففي بعض الأحيان، يكون عنوان الخبر هو الحدث بحدّ ذاته.