IMLebanon

تخوف من ايلول اسود

لا شك ان معظم افراد الطبقة السياسية المتربعة على عرش الحكم جاءت نتيجة من نتائج حروب العبث اللبنانية التي اوصلت امراءها الى السلطة فحكموا سعيدين ممسكين برقاب الناس وبلغ الفساد سقفاً لم تعرفه الساحة المحلية عبر تاريخها دون ان يرف لهم جفن، والانكى من ذلك ان امراء الحرب اللبنانية الذين انتقلوا من الخنادق الى الفنادق وراكموا الثروات عندما اكتنزت «بقرة ابو جورج» وفق توصيف الرئىس الراحل الياس الهراوي للدولة اثر انتخابه، بفعل النهب المنظم للمرافق العامة لا يخجلون من المحاضرة بالعفة وما ابلغهم في ذلك وفق الاوساط المواكبة للحراك في الشارع.

واذا كانت الحرب الاهلية في سبعينات القرن الماضي قد انطلقت شرارتها باستشهاد معروف سعد الذي كان يقود انتفاضة الصيادين الفقراء ضد شركة «بروتيين»، فان اجواء الساحة المحلية في المرحلة الراهنة كاد تكون نسخة طبق الاصل عن المرحلة السابقة التي مهّدت لنشوب الحروب الاهلية ولا تخفي اوساط ضليعة في عالم الامن قلقها البالغ من ان يكون الشهر الجاري «ايلول اسود» بامتياز كون الحراك الشعبي الذي تقوده حركتا «طلعت ريحتكم» و«بدأنا نحاسب» سهل اختراقه واكبر دليل على ذلك ظهور المندسين في التظاهرات في محاولة لحرف الحراك الشعبي عن اهدافه، واذا كانت العناوين المرفوعة في التظاهرات تلقى ترحيباً واسعاً من القواعد الشعبية الغارقة في الفقر والنفايات، الا ان السؤال المطروح يتمحور حول قدرة المحركين على ضبط الشارع حيث قد تلجأ جهات عديدة الى محاولة الاستثمار فيه كما حصل في «الربيع العربي» الذي تحول الى «شتاء اسود» اغرق المنطقة بدمائها من ادناها الى اقصاها.

وتضيف الاوساط ان الحرب الاهلية بدأت في سبعينات القرن الماضي بشعارات رفعتها الاحزاب والقوى اللبنانية تقول: «من اجل هذا احارب» لتنتهي بعد ربع قرن من الزمن بسؤال «من اجل ماذا حاربت» بعدما تحول البلد الى ركام لا تزال الساحة المحلية تعاني من تداعياته، وما يخشاه المراقبون ان يعيد التاريخ نفسه لا سيما وان اللبنانيين بمختلف تلاوينهم لم يتعلموا درسا واحدا من تاريخهم. حيث عمقت حروب العبث انقساماتهم وتموضعهم تحت رايات الطائفية والمذهبية، وان «ظهور قطاع علماني عابر للطوائف يلقى تشجيعا دوليا». وفق مجلس الامن الذي دعا الى انتخاب رئيس للجمهورية في جلسته يوم امس ليس في مكانه الصحيح، لا سيما وان ثمة خشية لدى معظم الاطراف من الحراك الشعبي عبر عنها العماد ميشال عون عندما اعلن «تأييده للتحرك» الا انه تساءل بتعجب من «يحرك هذا التحرك».

وتشير الاوساط الى ان جولة السفير الاميركي ديفيد هيل الذي قام بتصوير احدى مكبات النفايات في محيط السفارة الاميركية في عوكر على المسؤولين وتحذيرهم من قمع التظاهرات بالقوة تركت اكثر من علامة استفهام لا سيما وان «هناك من يدفع الى الدم» وفق كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، واذا كان الفساد لدى الطبقة السياسة قد وصل الى مرحلة دفعت الى انفجار الشارع، فان الاجواء السائدة مثالية لدخول اكثر من طرف على الحلبة خصوصا وان المنطقة تعيش على فوالق زلزالية تتمثل بالارهاب التكفيري من «داعش و«النصرة» وكافة مشتقات «القاعدة» التي سترى في حراك الشارع فرصتها الذهبية لايقاظ خلاياها الراقدة، لا سيما وان اشغال القوى الامنية بمختلف قطاعاتها بمعالجة الخلل في الشارع وحماية المرافق العامة سيشتت جهودها ما ينعكس سلبا على قدراتها في مواجهة المد التكفيري المتموضع في جرود عرسال ورأس بعلبك، كما سيشغل «حزب الله» في الداخل، وان دعوة الرئيس نبيه بري للكتل النيابية للحوار قد يكون جاء متأخرا، ناهيك بان هذا الحوار لن يأتي بنتائج تريح الساحة، كون حراك الشارع في مكان، والمسؤولين في مكان آخر، او بالاحرى الشارع في مواجهة الطبقة السياسية التي يشبه وضعها المراقبون بوضع الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي تحول عبئا على داعميه الخارجيين فتخلوا عنه بين ليلة وضحاها.