IMLebanon

الخوف من الارهاب وارد إذا تعثرت مساعي السلام

قصة توافق سياسي عنوانه الأساسي:

إتفاق من ذهب لضمان الإستقرار

عرس الوفاق بدأ في أواخر الصيف الماضي. كان ذلك عندما أدرك الأميركيون والأوروبيون، ان معظم الدول العربية، واقعة لا محالة في دهاليز التطرف، وتدهمها رياح العنف وتجتاحها ارادة تكفيرية على أيدي حركات داعش وأخواتها وأبناء عمومتها، ومنظمات لا تقل عنها خطورة، وفي مقدمتها النصرة وروّاد الذبح والقتل.

في تلك الحقبة المريرة، والصعبة صارح مسؤول عربي بارز وزراء وديبلوماسيين بان لا حل للأزمة العاصفة في لبنان، إلا باتفاق صعب مع القوى المتطرفة عربياً، والميَّالة الى الإعتدال لبنانياً. وكان بعد ذلك حوار مع قوى عربية نافذة، ومع قوى لبنانية فاعلة.

كان وجود الرئيس سعد الحريري خارج لبنان، مناسبة ذهبية للذهاب الى اتفاق من ذهب لضمان استقرار لبنان المهدد في وضعه المالي، ومشاكله الاقتصادية خصوصاً ان زعيم تيار المستقبل حاول أكثر من مرة الإتفاق مع زعماء مسيحيين ومسلمين للمجيء برئيس جمهورية يقودها الى الاستقرار والسلام، لكنه لم يصل، في نظر بعضهم الى حل يجمع عليه اللبنانيون.

ويروى في هذا المجال ان القوى النافذة في أوروبا وأميركا، يهمها الوصول الى مثل هذا الإتفاق على شخصيات مسيحية، خصوصاً بعد المعلومات المتوافرة لديهم، بان بكركي بقيادة البطريرك الماروني بشارة الراعي، رشحت أربعة مسيحيين أقوياء، لرئاسة الجمهورية هم الرئيس العماد ميشال عون، الرئيس اللبناني السابق الشيخ أمين الجمل، زعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجيه ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.

اختلف القادة اللبنانيون في تفسير معنى المرشح القوي، وكان ثمة حوار يعيد الى الأذهان تجربة البطريرك الحويك التاريخية على أبواب العشرينيات، عندما ذهب الى فرنسا داعياً الى ضم الأقضية الأربعة الى لبنان الصغير، ونجحت أفكاره في أوائل العشرينات لدى تكوين الكيان اللبناني.

في ذلك الوقت، تردد على لبنان الصغير عدد من قادة فرنسا العظام وفي مقدمتهم الرئيس شارل ديغول، وكان رأيه مع عدد من اللبنانيين، ان التمسك بتصغير لبنان يجعل المسيحيين يتقاتلون للهيمنة على لبنان الصغير الى حد ان الرئيس شارل دباس صارحهم بان التصغير نهاية سريعة للبنان، وان الرئيس حبيب باشا السعد حذر من خطوة مرتجلة، وان كان الرئيس اميل اده غير ميال الى عدم تصغير لبنان، وضم الأقضية الأربعة اليه، في حين ان الشيخ بشارة خليل الخوري اتفق مع رياض الصلح على تكبير لبنان لان عدم ضم الأقضية الأربعة اليه سيجعل المسيحيين في عداء غير مبرر للهيمنة، على البلد الصغير، في حين ان تكبير لبنان، هو إغناء له ومساهمة شجاعة في توسيع قاعدة الحوار والرأي نشداناً للاستقلال خصوصاً وان التصغير مشكلة، موازية للخوف من التكبير.

وبين الإستعمار الفرنسي والإنتداب، والدعوة الى الاستقلال رجحت كفة التكبير وجعلت قصر الاليزيه مرجعاً للبطريرك الحويك.

قبل عدة سنوات، زار رئيس مجلس النواب نبيه بري فرنسا، والتقى قادة الجمعية الوطنية الفرنسية، وجلس في مقاعد النظارة لمراقبة جلسة نيابية للأسئلة النيابية والأجوبة الحكومية عليها، وتوجه من ثم الى مجلس الشيوخ الفرنسي وبعد ذلك طلب من مدعويه الفرنسيين أن يذهبوا معه الى قصر الأليزيه خصوصاً بعدما دقت عقارب التقسيم خلال حرب السنتين أبواب اللبنانيين، وقال لهم في ذلك الوقت انه يريد أن يدرس ويعاين تجربة البطريرك الحويك من جديد، لأن تصغير لبنان أو تكبيره يجب ألا يكون مبرراً للعودة عن خطوة تاريخية سبق وباركها جنرال فرنسا العظيم شارل ديغول.

في مرحلة الضم والفرز في الكيان اللبناني زار فرنسا رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني والتقى الرئيس الفرنسي يومئذ فرنسوا ميتران، كما التقى البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير في زيارة ثانية، تحت عنوان واحد: الاجماع اللبناني على تكبير لبنان هو ثروة تاريخية.

معاودة لا عودة

في هذه الاثناء نضجت ظروف العودة الى التكبير والابتعاد عن التصغير مع وصول الرئيس العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وعودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة في ظل وجود رئيس مجلس نيابي هو نبيه بري، مما أتاح الفرصة أمام تغيير طفيف في البنية الرئاسية.

وهذا ما ظهر في أول جلسة لمجلس الوزراء تعقدها الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس العماد ميشال عون، وبحضور رئيس الوزراء سعد الحريري، والوزراء الآخرين.

ما هو الجديد في الحكومة الجديدة:

الجديد البارز بقوة هو ان نصف انقلاب سياسي تحقق على أبواب البرلمان، أي قبل أن تنال حكومة الرئيس سعد الحريري ثقة البرلمان.

وفي التفاصيل ان رئيس الجمهورية توافق مع الرئيس سعد الحريري على أن يعملا معاً، لإنقاذ لبنان، كل من الحدود المتاحة له وفق الدستور والقوانين.

ويروي وزير بارز، ان الرئيس ميشال عون وسعد الحريري اتفاقا على البنود الآتية:

اولاً: اقالة عبد المنعم يوسف المدير العام لمؤسسة أوجيرو ولوزارة الإتصالات عملياً، وهو الآمر الوحيد النافذ وصاحب النفوذ الذي لا يهزه أحد، بدليل ان الوزير السابق الشيخ بطرس حرب لم يجد في ملفه علة تبرر له اقالته من مناصب يشغلها بغير حق، لأن للمدير العام الحق في ادارة ملف واحد لا ملفين اثنين.

ثانياً: تعيين مديرين عامين لأوجيرو والإستثمار والصيانة والإتصالات، على أيدي وزراء من تيار المستقبل الحليف السياسي للوزير حرب.

ثالثاً: تعيين سيزار أبي خليل وزيرا للطاقة، واقراره تنفيذ مشاريع بلوكات النفط، وهو الذي عمل مع وزير النفط السابق جبران باسيل الذي يتولى حاليا وزارة الخارجية والمغتربين.

رابعاً: عدم مناقشة قرارات رئيس الجمهورية في التعيينات الوزارية وأبرزها تعيين وزير العدل الاستاذ سليم جريصاتي في منصب حساس، كان يتولاه الوزير السابق الحريري الاتجاه أشرف ريفي.

خامساً: تعيين المفكر السياسي في التيار الوطني الحر بيار رفول وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية وهو الذي شغل دور القائد السياسي في مرحلة اقامته في أوستراليا طوال حقبة إبعاد الرئيس عون عن لبنان في فرنسا.

سادساً: عدم اعتراض رئيس الجمهورية على اقتراح باسيل، بتعيين جمال الجراح وزيراً للاتصالات، وهو منصب حساس شغله سابقاً الوزير بطرس حرب والوزير العوني نقولا صحناوي.

سابعاً: تعيين النائب محمد كبارة وزيراً للعمل، وهو الوزير القوي شعبياً في طرابلس، في مواجهة الوزير السابق اللواء اشرف ريفي الذي ربح الانتخابات البلدية في عاصمة الشمال.

والوزير كبارة من أركان تيار المستقبل وسبق له ان كان الرجل الثالث في حلف سياسي طرابلسي ضمه والنائب محمد الصفدي والنائب السابق المرحوم موريس فاضل، المشهود له في دعم التيار المستقبلي في المنطقة والذي ظهر في ذكرى استشهاد الرئىس رفيق الحريري.

وفي المعلومات ان الرئيس العماد عون متفق مع رئيس مجلس الوزراء، على بناء دولة عصرية تلبي طموحات الناس، وتستوعب الديون المتراكمة على السلطة، والمنافية لابسط حقوق المواطن في الحياة بكرامة وشعور بالمسؤولية الوطنية السليمة.

وفي المعلومات ايضاً، ان الرئىس سعد الحريري يعكف الان الى جانب شؤون الحكم وشجونه، على ترتيب قواعد الحياة السياسية لتيار المستقبل وعلى انشاء اجهزة اجتماعية تواكب حاجات الحقبة ومتطلباتها، العامة والخاصة. وهو مصمم على إعادة النظر في تركيبة الحزب السياسية، ان تغييرات شاملة في الأسماء ستظهر في الإنتخابات النيابية المقبلة، وللشعب وحده أن يقرر ما يريد، وما لا يريد.

وعلم في هذا الصدد ان الرئىس الحريري مصمم على تطوير علاقاته مع الرئىس نبيه بري، ايماناً منه بانهما بامكانهما اختزال الكثير من المواقع والاسماء، وستظهر نتائج ذلك، في كل من العاصمة بيروت وفي العاصمتين الثانية والثالثة، لان طرابلس وصيدا من الأهداف الأساسية له، في رحلة الازدهار الطرابلسية والصيداوية.

ومن أبرز ما يعمد اليه الرئىس سعد الحريري التفاهم مع رئىس الجمهورية خلال الاشهر الفاصلة عن الانتخابات المقبلة، ليكون ربيع الإنتخابات ربيع الإزدهار السياسي والإقتصادي، في جمهورية يحرص أركانها على تكثيف الوجوه الجديدة فيها، لان الشعب اللبناني شبع من تكرار وجوه قديمة أصابها اليأس من الحاضر والمستقبل. وفي معلومات سائدة عند الكبار، ان الحقبة الآتية ستكون حافلة بالأحداث الجسام، لدى معظم بلدان المنطقة، وخصوصاً العراق واليمن والجماهيرية الليبية وتونس والمغرب.

وفي رأي مرجع سياسي، أن لبنان وحده المؤهل لتمثيل دور رائد وبنّاء وفاعل في محيطه وفي العالم الخارجي.

ويرى مصدر سياسي واسع الإطلاع، أن الحقيقة صعبة، لكن امكانات العمل فيها متوافرة. وإذا كانت فترة حكم الرئيس تمام سلام، مجافية للقوانين المطلوبة، بسبب عدم وجود رئيس للجمهورية خلال مدة عامين ونصف فان الحقبة الراهنة تستتب فيها الامور، وتزداد الرغبة في صناعة قرارات سياسية، يرافقها التطور والازدهار.

أما على صعيد المنطقة، فان دولاً كبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية، تعمل على تنفيذ خطة سلام لا تقف عند هدنة تشمل داعش والنصرة، وكشفت ان في اميركا تياراً سياسياً جارفاً، يرفض ما حاول الرئيس الحالي باراك أوباما تنفيذه على الصعيد الاجتماعي ولا سيما مشروعه أوباما كير لأنه أثبت طوال وجوده تردداً في الكثير من الإتجاهات بسبب ضياعه بين الاقدام والاتزان والاثنان لم يحققا ما كان يريده الرئيس الحالي.

ويتحرك الآن عدد كبير من الأميركيين للوقوف الى جانب الرئيس المنتخب ترامب، في سعيه إلى بلورة تفاهم روسي تنضم اليه تركيا، بغية رفض العنف الذي حط رحاله في اسطنبول، ودفع ثمنه لبنانيون اختاروا تمضية نزهة عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، بعيداً عن حوادث عنف ترددت المعلومات بان داعش خططت لها وسعت الى تنفيذها في الأسابيع الاخيرة من العام الماضي، أو على أبواب العام الجديد.

إلا ان قوى أساسية في المنطقة تتخوف من أعمال عنف آتية، إذا ما عجز لبنان عن قمع الارهاب في مهده، والتوجه نحو سلام قائم على أسس من الثبات، من دون أي تردد في كبح جماح العدوان على السلام.