هل يحتاج الخوف المسيحي إلى إدانات يومية للإرهاب؟
الكنيسة تطالب الاعتدال الإسلامي بـ«صوت أعلى»
تتكرر اللازمة بأنه «لا يمكن محاربة التطرف السنّي الا باعتدال أهل السنة انفسهم». قناعة راسخة في مفاهيمنا المحلية، مثلما الحرب «الدولية» التي تُشن اليوم على «داعش» وفروعها، واحدة من امثلة الحرص على تظهير «السني المعتدل» شريكاً كامل الشراكة والفعالية في الحرب على الارهاب.
غير ان تراكمات سنوات من التكاذب والاحساس بالظلم او التهميش او الرغبة بالاستقواء والغلبة التي تعايشت معها الجماعات والطوائف اللبنانية بالتناوب، تجعل واقعنا مقلقاً. لا تعود الكلمات تعكس معانيها. ولا يعود للمعاني ترجمات عملية.
في بيان مجلس المطارنة الاخير، ناشد المجتمعون «المرجعيات الإسلامية الرسمية اتِّخاذَ موقفٍ واضحٍ وصريح من هذه الظاهرة الإرهابيّة اللّادينية، والقيامَ بحملةِ توعية في المجتمع وتنشئةَ الأجيال الطالعة على مفاهيم الدين وقيمه، حرصًا منها على العيش معًا، الذي كرّسه تاريخٌ طويل من العلاقات الإسلامية المسيحية».
السؤال البديهي بعد قراءة هذه الفقرة يكون «ألم تتخذ المرجعيات الاسلامية حتى الآن موقفاً واضحاً وصريحاً من هذه الظاهرة الإرهابية؟ الا تقوم بتنشئة الاجيال على قيم الدين بمعانيه الانسانية اولاً؟ ألا يبدو أنها تبدي حرصاً على التاريخ الطويل من العيش الاسلامي – المسيحي»؟
ترى هل يلاحظ المطارنة الموارنة تناقضاً بين الخطاب الاسلامي والممارسة؟ ام هو الخوف المسيحي الراسخ الذي يحتاج الى ادانات يومية للارهاب من اعلى المراجع الاسلامية؟ ام هو غياب الثقة بين المكونات اللبنانية الذي يتيح لكل مجموعة أن تضع الآخرين في اطار معين ووفق احكام مسبقة، فلا تعود قادرة على الخروج من نمطية الصورة والاطار؟
يعتبر احد الاساقفة الذين شاركوا في اجتماع مجلس المطارنة الاخير ان هذه الاسئلة «مشروعة»، وان بالغت في محاولة قراءة ما بين سطور البيان. فالكنيسة لا توارب في مواقفها. هي تلتزم بتعاليم من قال «لتكن كلمتكم نعم نعم، ولا لا». من هذا المنطلق ناشدت المراجع الاسلامية المعتدلة والتي تعرفها وتشاركها في الكثير من الخيارات الوطنية والقيم الانسانية والاخلاقية والايمانية، ان تُعلي صوت الاعتدال والانفتاح وقبول الآخر والتلاقي والاختلاف تحت الثوابت الوطنية».
لا يخفي الاسقف «قلقاً نلمسه لدى الكثير من الناس من غلبة ضجيج الإرهابيين وضوضائهم، ولو كانوا قلة، على أصوات العقلاء والمعتدلين ولو كانوا أكثرية. نحتاج اليوم الى ان ترفع الاكثرية صوتها، فلا تأخذ الأقلية الدين الاسلامي فكراً وسلوكاً وأسلوب حياة الى حيث لا يعود أصحاب الاعتدال انفسهم يجدون انفسهم فيه».
يستند احد نواب «التيار الوطني الحر» الى بيان مجلس المطارنة ليؤكد أنه «لا توجد جدية على مستوى كل الطوائف في مواجهة موجة التكفير والتطرف. جميعنا مسؤولون، لكن المسؤولية الاساس تقع على كل طائفة لمعالجة التطرف والشطط في طائفتها. لذا نحن نراهن اليوم بشكل أساسي على كل المعتدلين السنة ليعكسوا، ليس فقط القيّم والاخلاق الدينية، انما العادات والتقاليد والارث المشترك الذي نتشاركه جميعا كلبنانيين. وهذا بطبيعة الحال، لا يتم بتبريرات لسلوكيات المتطرفين، ولا باحتضانهم وتشجيع خطابهم حيناً وإدانتهم لاحقاً عندما يستقوون ويحاولون خلق أجندتهم المستقلة والتصرف على اساسها. أخاف أن يكون بعض من يحملون راية الاعتدال في لبنان ساهموا بشكل اساسي بتربية الوحش صغيراً فكبر اليوم وخرج عن سيطرتهم، ولا اتفاجأ ان كانوا هم اولى ضحاياه».
يتفهم نائب في «تيار المستقبل» كلام الاساقفة الموارنة وينتقد بشدة منطق زميله في «تكتل الاصلاح والتغيير». بالنسبة اليه «ثمة اختلاف جوهري في الخلفيات والمقاصد عند الاثنين. فالمطارنة ينطلقون من رغبة إيجابية بالعيش معاً، متساوين بالحقوق والواجبات والمواطنية. يتوجهون الى المسلمين عموماً للعمل على إبراز وجه دينهم الحقيقي وهذا مطلب حق يلقى صدى طيباً في كل الاوساط. اما في «التيار» فهناك تطرف مقبول وآخر منبوذ، تماماً كما ان هنالك قتلاً مبرر وآخر مدان. نحن نقر أن رفع صوت الاعتدال والشراكة الوطنية يكون أولاً من المسلمين. لكن ذلك يحتاج الى ارضية وطنية. الى مساواة بين كل المواطنين. فلا احد فوق القانون. يحتاج ذلك الى انماء متوازن، فلا صيف وشتاء فوق سطح واحد. لا مصادر وموارد مالية غير مرئية لفئة او حزب او طائفة».
يستفيض النائب «المستقبلي» في شرح الوقائع ليخلص إلى أن «اغلبية السنّة في لبنان أهل تسامح واعتدال، لكن المشكلة في اعتلال صحة مفاهيمنا الوطنية والمشتركات التي ننطلق منها لنواجه كل تطرف».