بعد إنتهاء الحرب اللبنانيّة في العام 1990، ساد الهدوء البلاد بفعل القبضة الأمنيّة السوريّة ـ اللبنانيّة الحديديّة، ولم يُعكّر صفوها سوى مجموعة من الإنفجارات وعمليّات الإغتيال التي تُعدّ على أصابع اليد الواحدة على مدى عقد ونصف العقد، وأبرزها إغتيال رئيس حزب الوطنيّين الأحرار داني شمعون في 21 تشرين الأوّل 1990، ومُحاولة إغتيال الوزير ميشال المرّ في أنطلياس في 20 آذار 1991، وتفجير بيت الكتائب المركزي في الصيفي في 20 كانون الأوّل 1993، وتفجير كنيسة سيّدة النجاة في زوق مكايل في 27 شباط 1994، وإغتيال الوزير السابق إيلي حبيقة في الحازمية في 24 كانون الأوّل 2002.
لكن وبعد محاولة إغتيال الوزير السابق مروان حمادة في 1 تشرين الأوّل 2004، جاء إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ليُطلق موجة غير مسبوقة من أعمال التفجير والإغتيال التي حصدت العشرات من الشخصيّات السياسية والإعلامية ومن المرافقين والمواطنين، وُصولاً إلى إغتيال الوزير السابق محمد شطح في 27 كانون الثاني 2013. ومع إندلاع الحرب السوريّة، شهد لبنان موجة ثالثة من أعمال التفجير الغادرة تركّزت خصوصاً على المدنيّين في البقاع والضاحية الجنوبيّة، وصارت أخطر مع الوقت بعد دخول الإنتحاريّين على خط هذه العمليّات الإرهابيّة. واليوم، وبعد فترة لا بأس بها من الهدوء النسبي، عاد الحديث عن موجة جديدة من التفجيرات، فهل هذا التخوّف بمكانه؟
بحسب أوساط مُطلعة إنّ لبنان الرسمي، وبفضل جهود جبّارة قامت بها مختلف الأجهزة الأمنيّة، لا سيّما منها أجهزة «فرع المعلومات» و«الأمن العام» و«مُخابرات الجيش» في السنتين الأخيرتين، تمّ تفكيك عشرات «الخلايا الإرهابيّة»، والقبض على عشرات المُتورّطين ومئات المشبوهين، الأمر الذي خفّض عمليّات التفجير بشكل كبير جداً. وأضافت أنّه بفعل العمليّات الإستباقيّة، والمُداهمات شبه اليوميّة لمخيّمات اللاجئين ولغيرها من الأماكن والشقق المشبوهة، جرى إفشال العديد من الأعمال الأمنيّة في مهدها، وإلقاء القبض على الكثير من المطلوبين. وأشارت إلى أنّ هذه السياسة مُتواصلة بزخم كبير حتى تاريخه، بدءاً بأعمال التنصّت والإستخبار وجمع المعلومات، مروراً بأعمال الرَصِد والمُراقبة، وصولاً إلى أعمال الدَهم والإعتقال، نظراً إلى النتائج الإيجابيّة الواضحة التي تحقّقت في خلال الأشهر القليلة الماضية.
لكنّ الأوساط المُطلعة نفسها لاحظت أنّه في المدّة الأخيرة، أظهرت أعمال القبض على عدد من المتورّطين والمشبوهين، والإعترافات التي أعقبتها، وجود خلايا عدّة تعمل بشكل مُستقلّ بعضها عن بعض، وحتى شبه إفرادي في بعض الأحيان، حيث أنّ الرابط الوحيد في ما بينها هو التأثر بالفكر الإسلامي المُتشدّد والعداء للنظام السوري ولحلفائه. وأضافت أنّ هذا النوع من «الخلايا» هو من بين الأخطر على الإطلاق، لأنّ الكشف عن هذه «الخلايا» صعب جداً، بسبب قلّة عدد أعضاء كل «خليّة»، ما يعني قلّة التنقّلات البرّية والإتصالات الهاتفيّة المشبوهة بين أفرادها، وبالتالي صُعوبة رصدها أو إكتشاف تحرّكاتها المُريبة والمشبوهة.
وتخوّفت الأوساط نفسها من أن تتمكّن إحدى هذه الخلايا الصغيرة وغير المُنظّمة من تنفيذ تفجير إرهابي أو عمليّة أمنيّة غادرة، في ظلّ هذا الوضع الدقيق سياسياً. وأوضحت أنّ رشّاشاً حربياً مع بضع مماشط من الذخيرة، كان كافياً لتنفيذ مجزرة رهيبة في منطقة سوسة السياحيّة في تونس بالأمس القريب، حيث راح ضحيّتها عشرات الأجانب، وأدّت إلى ضربة قاتلة للموسم السياحي في تونس لهذا الصيف مع خسائر إقتصادية من المُقدّر أن تزيد على نصف مليار دولار أميركي! وسألت هذه الأوساط، ماذا لو تمكّن أحد الإرهابيّين من تنفيذ عمليّة مُماثلة في لبنان، حيث يُمكن بسهولة الوصول إلى الأسلحة والذخائر نتيجة وجود العديد من البُقع الجغرافية الخارجة عن سلطة الدولة؟! وأضافت ماذا لو تمكّن أحد الإرهابيّين من تفجير نفسه داخل أحد المساجد في لبنان كما حصل في الكويت أخيراً، أو في السعودية قبل ذلك؟!
وشدّدت الأوساط المُطلعة نفسها على أنّه إذا كان صحيحاً أنّ الأمن ممسوك إلى حد بعيد، والوضع العام في لبنان شبه مُستقرّ، فإنّ الأصحّ أنّ هذا الأمر لا يعني أنّ الوضع سليم مئة في المئة، مُتخوّفة بشكل خاص من تنامي نُفوذ الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة المتأثّرة بالفكر التكفيري، إن داخل المخيّمات الفلسطينيّة المعروفة، ولا سيّما في «عين الحلوة»، أو داخل بعض مخيّمات اللاجئين السوريّين المُستحدثة، أو داخل منازل وشقق مستأجرة من قبل أشخاص لجأوا إلى لبنان في الأشهر أو السنوات القليلة الماضية، أو حتى داخل بعض المناطق والبيئات المذهبيّة المُحدّدة في لبنان.
ونبّهت هذه الأوساط من مغبّة غرق الجهات اللبنانيّة الرسميّة والمعنيّة بالأمن، بالصراع على السلطة، وبالمناكفات السياسيّة وبعمليّات شدّ الحبال المُتبادلة، مُحذّرة خصوصاً من مغبّة التسبّب بأيّ فراغ على مستوى القيادات الأمنيّة، لأنّ ذلك سيُمثّل خدمة لتسلّل الإرهابيّين بمجرّد تراخي القبضة الأمنيّة المفروضة عليهم حالياً، بفعل الحملات الوقائيّة والإستبقايّة الناجحة التي يتمّ تنفيذها من دون إنقطاع، وبعيداً عن الإعلام في كثير من الأحيان.