تخوَّفت أوساط ديبلوماسية في الساعات القليلة الماضية من بوادر تفاهم تركي – داعشي تُبرّره مخاوف تركية دفعَت أنقرة إلى مزيد من التشدّد في مفاوضاتها مع الأميركيين والحلف الدولي. ومرَدّ ذلك إلى هواجس تركية من تفاهم إيراني – أميركي وتفاهم عربي – كردي، تقوده السعودية، لقيام دولة كردية في شمال العراق وسوريا وجنوب تركيا… وهذا بعضٌ من المعلومات.
تحدّثت تقارير ديبلوماسية واستخبارية بلغت دوائر ضيقة في بيروت عن تطورات في كواليس الحوار التركي مع الحلف الدولي، جعلت أنقرة تتردّد في تلبية طلبات الحلف، ما عدا الحد الأدنى منها في أكثر من منطقة، وخصوصاً لجهة ما تشهده كوباني التي تحوّلت في الأيام الماضية نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه التطورات في المنطقة والنزاع القائم بين الحلف الدولي والنظام السوري و«داعش» سويّةً.
وفي المعلومات المتداولة مخاوف من التردّد التركي والمواقف الملتبسة إزاء ما يحصل في شمال سوريا، وذهب البعض أبعد من ذلك ليتوقّع موقفاً تركيّاً مفاجئاً يُغيّر المعادلات في المنطقة لولا الضغوط الدولية التي وضعت سقفاً محدّداً للمواجهة القائمة في كوباني ومحيطها على وقع اتصالات سياسية وديبلوماسية وعسكرية لتليين الموقف التركي على قاعدة فهم الحلف الدولي ومنسّقه الأميركي الجنرال جون آلان لموقع تركيا الاستراتيجي بالنظر إلى المعطيات الآتية:
– يبدو للجميع أنّ الأراضي التركية هي المنطقة النموذجية والأنسب من بين دول الجوار السوري لتهيئة القوى البرّية التي ستكمل المهمة الجوّية للحلف، ويمكن للقوات التركية أن تشكّل نواة هذه القوّة أو تلك الداعمة لها.
– لم يكن امام الحلف الدولي والمسعى الأميركي تحديداً لدعم كوباني وتوفير صمودها أمام هجمات «داعش»، سوى الأراضي والمطارات التركية التي شكّلت ممرّاً آمناً وسريعاً لنقل قوات البشمركة والجيش السوري الحر إلى كوباني لتوفير صمودها، بعدما تبيّن أنّ هناك قراراً بعدم السماح بسقوطها مهما كلف الأمر.
– إنّ اعتماد قاعدة إنجرليك الأميركية في تركيا والمطارات الأخرى تشكّل أقرب مواقع انطلاق لطائرات الحلف الدولي في عملياتها المقرّرة في العراق وسوريا، وهو ما لم يحقّقه الجنرال آلين إلى اليوم في مفاوضاته السرّية والعلنية مع الأتراك.
في المقابل، لا تنفي المراجع التركية الديبلوماسية هذه الحقائق، وهي تعرف أنها من نقاط القوة التي تعزّز موقف تركيا في مفاوضاتها مع الحلف الدولي والأميركيين، لتحقيق سياساتها المختلفة تماماً عن أحلام وخطط الحلف الدولي في كثير من النقاط الحسّاسة.
بدايةً، حاولَ الأتراك وضعَ المشكلة في قلب الحلف، وأبرزَت أنقرة في مفاوضاتها الخلافات البينية بين دوله واستراتيجياتها المختلفة، وتوصّلت إلى صوغ موقف تركي متفرّد عن سائر «الحلفاء» يقول الآتي: رفضُ تركيا استخدام قاعدة انجرليك وفتح مطاراتها أمام الحلف في عملياته قبل الحصول على سلّة من المطالب وتوفير أجوبة على هواجسها، ومنها:
ما الذي يعوق إقامة منطقة الحظر الجوّية في شمال سوريا وضرب النظام السوري و»داعش» معاً. لأنّها ترى أنّ النظام وحده سيكون المستفيد ممّا يحصل في ظلّ الدعم الروسي – الإيراني المفتوح الذي يساوي إنْ لم يتجاوز قوّة الحلف في مواجهته و»داعش»؟
هل صحيح أنّ هناك مفاوضات سعودية – كردية لتعزيز أحلام القوى الكردية بدولةٍ تقوم على أطراف العراق وسوريا الشمالية وجنوب وشرق تركيا؟
وهل صحيح أنّ المفاوضات الأميركية – الإيرانية قطعَت أشواطاً، وأنّه سيكون لإيران موقع أفضل وأكبر في الخليج العربي ومحيط تركيا تتجاوز مصالح تركية قومية كثيرة في محيطها الحيوي؟
وفي انتظار هذه الأجوبة، لم تقطع تركيا مفاوضاتها مع الحلف الدولي بالحد الأدنى، وجاءت التسهيلات المحدودة برّاً وجوّاً التي قدّمتها أنقرة لتعزيز مواقع القوى الكردية في كوباني بالحد الأدنى الذي لا يضمن انتصاراً كردياً يُعزّز الأحلام بالدولة الكردية، وهو ما لم ولن تقبل به أنقرة تحت أيّ شرط ومهما كانت الكلفة.
على هذه المعطيات، ترسو التطوّرات، في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات القائمة في السر والعلن، والتي ستُبنى على نتائجها الاستراتيجيات الدولية والتركية التي يمكن أن تحدد وقائع الأيام المقبلة والاتّجاهات التي ستسلكها. وإلى ذلك الحين ستبقى المواقف الملتبسة قائمة، يلفّها الغموض إلى حين جلاء الصورة. فلننتظر!