IMLebanon

خافوا على كلّ شيء… إلّا على الرواتب!

ترى الأوساط السياسية والحكومية أنّ ملف الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام، العسكريين منهم والمدنيين، هو أوّل ضحايا الشَلل الحكومي القائم، فيما الواضح أنّ هناك كثيراً من القضايا الماليّة والإقتصادية متضرّرة جرّاء الشَلل النيابي قبل الحكومي، بما يهدّد صدقيّة الدولة في ظلّ الشغور الرئاسي. فالرواتب والأجور مضمونة. لماذا وكيف؟

يسخَر بعض خبراء المال وبينهم وزراء سابقون ذوو خبرة وباعٍ طويلين في إدارة المالية العامة للدولة، من الحديث عن «كارثة» عدم وجود رواتب لموظفي القطاع العام بدءاً من الشهر المقبل، فيما الخوف الجدّي يطاول مشاريع وقضايا ماليّة تتّصل بالقروض والهبات. فهُم عايشوا سلسلةَ الأزمات المالية والإقتصادية واستطاعوا تجنيبَ البلاد كثيراً من المطبّات على مدى عقدين ونصف من الزمن.

وعليه، توقّف أحد الخبراء أمام التهويل بأنّ رواتب موظفي القطاع العام والمؤسسات العسكرية والأمنية والمتقاعدين وموظفي المؤسسات والهيئات المستقلة لن تتوافر الشهر المقبل ما لم يتمّ تشريعها بقانون، وأكّد أنّ هذا الأمر ليس دقيقاً على الإطلاق.

ويضيف: «كان الأجدر بالساعين إلى إحياء الدور التشريعي لمجلس النواب وحماية الحكومة من السقوط في فخّ التعطيل، البحث عن حجج أخرى تقوّي موقعَهم، لكنّ العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية يبَرّر بعضاً مِن الأساليب التي يُلجَأ إليها لفتح كوّة في جدار الأزمة العاصفة بالمؤسسات لاستعادة مجلس النواب دورَه التشريعي بغية إمرار ملفّات أخرى ليس أبرزها التعديلات المقترحة على قانون الدفاع للخروج من أزمة التعيينات العسكرية أو لحماية بعض العقود والهبات والقروض المجمَّدة والمتعثّرة».

على هذه الخلفيات يقول الخبير إنّها ليست المرّة الأولى التي يُبحَث خلالها في مصير رواتب الموظفين ويقال إنّها لن تكون متوافرة، فتجارب السنوات الماضية كفيلة بإسقاط هذه المخاوف، ويمكن وزير المال اللجوء مرّة أخرى الى الأسلوب الذي اعتُمِد العام الماضي بنقلِ سِلفة خزينة من احتياطي الموازنة الى بَند الرواتب بـ «شَحطة قلم».

ففي العام الماضي لجَأت وزارة المال الى هذا المخرج، وقبل ذلك لجَأ الوزير السابق محمد الصفدي إلى الإجراء عينه لتأمين الرواتب والأجور. لكن ما لفتَ هذا الخبيرَ المالي اللجوءُ إلى التهديد بلقمةِ عيشِ فئةٍ كبيرة من اللبنانيين، عسكريين ومدنيين ومتقاعدين، في منتصف شهر آب، فيما الأمر معروف منذ بداية السَنة كاستحقاق سَنوي في غياب الموازنة العامة.

أضِف إلى ذلك فإنّ احتسابَ قيمة الرواتب والأجور وحجمها هو الأسهل في لائحة مصاريف الدولة ولا يمكن التشكيك بأرقامها. وليس فيها وجهة نظر ليُصار إلى استخدامها في القضايا السياسية لتكونَ كالمنشار في اتّجاهين معاكسين.

ولا يقيس الخبير ملاحظاته المالية للتشَفّي أو لأسباب سياسية، بل للإضاءة على المعضِلة من جوانب أخرى، فالبَلد يعيش أوضاعاً استثنائية ولا يمكن مواجهتها إلّا بما هو استثنائي من أدوات. فالعجز عن وضع الموازنات السَنوية يقود إلى مثل هذه الحالات، فكيف بالنسبة الى ما تعيشه البلاد من عجز وشَلل لم يَسبق أن عاشته في ظروف أسوأ مِن تلك التي نمرّ بها اليوم».

ويضيف: «ليس ما سيَتبع في نهاية أيلول المقبل من إجراءات هي الفضلى، لكن «أخاك وزير المال مُجبَرٌ لا بطل» وهو سيلجَأ مكرَهاً الى هذه التدابير لتسيير شؤون الناس من دون اللجوء إلى قانون خاص لدفع الرواتب في ظلّ فقدان الموازنة العامة والشَلل الذي يعيشه المجلس النيابي».

تجدر الإشارة إلى سابقة استنَد إليها وزيرا المال، الحالي ومَن سبَقه، في لجوئهما إلى التدابير الماليّة المتكررة طوال السنوات الثلاث الماضية، وهي تعود الى أيّام وزير المال السابق جهاد أزعور، وتحديداً في 2006 مع بداية حرب تمّوز.

كانت وزارة المال يومَها تدفع رواتبَ الموظفين وفقَ لوائح إسميّة تَرفعها الوزارات والمؤسّسات العامة شهرياً، وأدّت ظروف الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد 12 تمّوز إلى إقفال بعض الدوائر الرسمية، وعجزَت أخرى عن توفير الجداول لوزارة المال فصرفت رواتب الموظفين والمتقاعدين في حينه على أساس جداول الشهر السابق وانتهَت الأزمة عند هذا الحد.

وينتهي الخبير إلى القول إنّه يمكن البعض أن يمارسَ حياته السياسية ويلعب كلّ أوراقه سياسياً وإدارياً وحتى مالياً مِن دون جعلِ المواطن رهينةً له على أبواب استحقاقات عائلية كبرى ليس أقلّها الموسم الدراسي. فلماذا كان الانتظار إلى الصيف للتحذير من هذه الواقعة ووضع أكثرية اللبنانيين في موقع لا يُحسَدون عليه؟