IMLebanon

الخائفون على الحراك  والمخيفون الخائفون منه

كما في الحوار الوطني كذلك في الحراك المدني: الوقائع تسابق التوقعات. شيء من التكرار بما يعيدنا الى قول القديس أوغسطينوس ان عجائب الدنيا تفقد قيمتها عندما تتكرر الأمور ذاتها أمام أعيننا. وشيء من التنوّع بما يفتح أمامنا نافذة فرصة للتوقف عن التخبّط في عمق الأزمة البنيوية التي تستولد كل يوم أزمة اضافية، أو أقله للتوقف عن الرهان على حلّ يأتي من عقم الحياة السياسية. فلا كل يوم لدينا فرصة، وسط تراكم الأزمات. ولا أحد يجهل، وان كان البعض يريد شيئاً آخر، ان الممر الإلزامي الى بداية العمل على ادارة الأزمة البنيوية ومعالجة الأزمات والمشاكل الملحة هو انتخاب رئيس للجمهورية.

أما الحديث عن ممر إلزامي الى الرئاسة، مع استحالة تأمين الأصوات الكافية في المجلس النيابي كما أكدت تجربة عام ونصف، فان معناه العملي هو: لا رئاسة في المدى المنظور. وأما شبه التوافق في الحوار على رفض أي تعديل للدستور، بعد الكوارث التي جرّها على البلد تعديل المادة ٤٩ أكثر من مرة، فانه خطوة مهمة شرط إكمالها بخطوة ثانية هي التوافق على انتخاب رئيس، وإلاّ بقينا ندور في مأزق الشغور الرئاسي.

وليس جديداً أن يفشل الحوار من خارج المؤسسات بعد تعطل العمل داخل المؤسسات. فنحن في الطبعة الثالثة من الحوار الذي كان المتحاورون ولا يزالون يتصرفون كأن الفشل أمر عادي يمكن تحمله ويسعى كل طرف لجعل الطرف الآخر يدفع الثمن، في حين ان من يدفع الثمن هو البلد والناس. الجديد هو ان يفشل الحراك بما يقود الى اغلاق نافذة الفرصة التي فتحها. فنحن امام تجربة أعطت أملاً للناس وفرصة لنشوء تيار واسع لديه اهتمامات وطنية وهموم اجتماعية، وسط تيارات تدور حول السياسة البلدية وعملياً حول رجل أو بيت.

ذلك ان الحراك المدني الذي فتح ممراً وطنياً بين سدود الطوائف والمذاهب يواجه التعرض لخطرين هما: الفشل والتفشيل، مع ان الرهان على نجاحه مهم. بعض مخاطر الفشل ان يستنزف الحراك نفسه عبر خوض كل المعارك دفعة واحدة من دون خارطة طريق وأولويات في مواجهة نظام مثل الهواء يستحيل القبض عليه. وأقل مخاطر التفشيل ان تلتف عليه كالأخطبوط مصالح أمراء الطوائف والمذاهب وحراس النظام والأزمة الخائفين من اية حركة تغيير.

والواقع ان الخائفين على الحراك اكثر من الخائفين منه. لكن الفارق ان الخائفين منه مستنفرون ومستعدون لاستخدام كل الوسائل والادوات للتخلص منه، في حين ان الخائفين عليه ليسوا جميعاً على استعداد للنزول اليومي الى الشارع.