ذروة الاشتباك الإيراني- التركي والتراشق بالاتهامات علناً بين طهران وأنقرة لن ينقذا ولو قرية سورية من حمّامات الدم التي حوّل تنظيم «داعش» اهتمام العالم بها إلى حرب التحالف الدولي… والأهم إلى حال تعبئة من الشرق إلى الغرب، لاتقاء شرور الإرهاب.
ذروة الاشتباك الإيراني- التركي مرآة واضحة للمأزق المزدوج الذي تجد كل من طهران وأنقرة نفسها فيه: فلا جمهورية أردوغان متحررة من الضغوط الخارجية (الأميركية) والداخلية (الأكراد وقنبلة التفاوض مع أوجلان)، ولا جمهورية خامنئي مطمئنة إلى خلاص نهائي في المفاوضات (النووية) مع الغرب، وإلى أي خشبة تنقذ حليفها النظام السوري… بعد كل «التضحيات» التي تحمّلتها.
وتحميل إيران تركيا مسؤولية «سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين السوريين الأبرياء»، إذ يحمل في طياته نكتة سوداء تذكّر بحال الذي مشى في جنازة ضحيته، يفضح ببيان رسمي غضب طهران من إصرار الرئيس رجب طيب أردوغان على المطالبة بتغيير نظام الرئيس بشار الأسد. وإن كان بعض الخبثاء لا يسلّم في المقابل، بمؤشرات انتقال العلاقات الأميركية- التركية إلى خطوط التوتر العالي، خصوصاً بسبب معركة عين العرب (كوباني) السورية، ورفض أردوغان إرسال قوات برية لاقتلاع «داعش» منها، فالحال أن أنقرة لا ترى ضيراً في ترك التنظيم يمهّد لـ «تطهير» المدينة وضواحيها من الوجود الكردي. المهمة ذاتها ستيسّر على الأتراك تعبيد الطريق الى المنطقة العازلة، الخالية من أي وجود للنظام السوري ولحلفاء حزب العمال الكردستاني.
عملياً، يقتدي أردوغان بالرئيس الأميركي باراك أوباما الذي كاد أن يقول للعراقيين «إقلعوا أشواككم بأيديكم» والجيش الأميركي ليس للإيجار، لذلك لن يرسل «المارينز» إلى العراق لقتال «داعش»، وإنقاذ بغداد وإرسال باقة ورود لطهران، بعد إنجاز المهمة… بل بين العرب مَن تساءل لماذا يتطوعون لاستئصال ورم «داعش» في خاصرة إيران العراقية، فيما طهران لا تكفّ عن التشكيك في نياتهم.
يقتدي أردوغان بأوباما: لماذا نقاتل نيابة عن الجميع، الأميركيين والحلف الأطلسي، وعن العرب أيضاً الذين يرفضون إرسال قوات برية إلى سورية والعراق؟
هي حرب مُكلِفة، صحيح أنها قد تدوم سنوات، لكنّ الثمن الباهظ لن يهبَ العراقيين ولا السوريين ضمانات بأن النتائج ستكون فردوساً لأرضهم. وإن كان بعض المتشائمين يطرح نموذج «عودة الروح» إلى «طالبان» رغم كل ما تكبّده الحلف الأطلسي والأميركيون خصوصاً من أرواح جنودهم، فالمفارقة أن الحرب على «داعش» التي فرضتها ضرورات إنقاذ كيانات في المنطقة، ليست مضمونة النتائج ايضاً… فكيف إذا فرضت تعايشاً قسرياً مع دويلات «الدولة الإسلامية»؟
صحيح أن الضربات الجوية عرقلت زحف «الدولة»، لكن البنتاغون نفسه لم يجرؤ على التورط بإشاعة تفاؤل بالقدرات العسكرية الأميركية، وبإمكان استعادة الموصل مثلاً خلال أشهر أو سنة.
وأما الاشتباك الروسي- الأميركي في أوكرانيا الذي جعل نوافذ موسكو على الغرب في الحضيض، فلا يتيح كذلك توسيع جبهة الحرب على «داعش»، ولا ومضات تفاؤل بمسار يستعيد «جنيف2». وكلما تمدّدت رياح الحرب الباردة بين عناد موسكو، وإصرار واشنطن على رفض التطبيع مع نظام الأسد، ورفض الخضوع لأي مقايضة إيرانية لإنقاذ رأسه… طال أمد الكابوس السوري فيما محنة العراقيين تعيد إنتاج ذاتها.
في الجو، يدعم الطيران الحربي الأميركي القوات العراقية لصد «داعش»، وقطع شرايين إمداداته… على الأرض لم تبدأ حكومة حيدر العبادي بعد نزع ألغام الأحقاد والعنف والتطرف. عشر سنين مضت كانت كافية لشرذمة العراقيين، وتخصيب مشاعر الاضطهاد والظلم لدى السنّة الذين تعتبر هيئة علماء المسلمين أنهم قد يصبحون ضحايا «حرب إبادة» بذريعة محاربة «داعش».
وبين سنّة وشيعة وعلويين وأكراد، وأتراك وإيرانيين، و «داعش» و «دواعشه»، ضحايا من الجميع، ورعب من حروب إبادة.