Site icon IMLebanon

مخاوف تتحدّى التطمينات من انفلات اللعبة والإطاحة بالـ1701

عملية شبعا «نصر معنوي» في جعبة نصر الله للإمساك بالقرار اللبناني

مخاوف تتحدّى التطمينات من انفلات اللعبة والإطاحة بالـ1701 

«قرار الحرب والسلم عاد إلى الواجهة ونقاشات تتناول حوار عين التينة وحدود التنازلات!»

ما كان يمكن للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن يطلّ اليوم في احتفال تأبين قياديين عسكريين سقطوا في عملية القنيطرة ومعهم الجنرال  في الحرس الثوري الإيراني محمد علي الله دادي، والتي شكلت ضربة موجعة للحزب وإيران، من دون أن يكون بجعبته «نصر معنوي ما» يحمي به  الصورة الأسطورية التي يفتن بها جمهوره ومناصريه وبيئته الشعبية بأنهم قوم لا يُقهرون، منتصرون على الدوام، كما كان يَعدهم في غالب إطلالاته الإعلامية. نصر يشد به عصب بيئته المثخنة من الثمن الذي تدفعه بفعل انخراط أبنائها في الحرب السورية، بحيث بات اتشاح النسوة بالسواد السمة الأبرز، وإن صدحت حناجرهن بـ «هيهات منّا الذلة»، وغيرها من أقوال علها تُشفي القلوب.

سيطل الأمين العام تتقدّمه عملية «الردّ»، بغض النظر عن حجمها ونوعيتها مقارنة مع العملية التي تكبدها، لكنها ستؤدي وظيفتها في حفظ صدقية الوعد بـ «الثأر» الذي كان جمهوره  المتحمّس يرسم بأذهانه «سيناريوهات» لعقاب مزلزل، مُدمّر وصادم، بعدما فعلت «البروباغندا» الحزبية فعلها في مخيلات البيئة الحاضنة للحزب.

لكن حبس الأنفاس في الساعات الأولى، بُعيد عملية شبعا الثلاثاء الماضي، بانتظار ردة الفعل الإسرائيلية كانت كفيلة برسم المشهد الداخلي على المقلب الآخر، حيث ظهر مستوى عجز القوى السياسية، على مختلف أطيافها، ومعها هشاشة السلطات الرسمية السياسية والأمنية، بحيث  جدّد «حزب الله» التأكيد بالقول والفعل بأنه المُمسِك الوحيد بالقرار، والقابض على الساحة اللبنانية. فأعضاء الحكومة الذين كانوا يَستجْدُون ممثلي الحزب لفهم ما يدور في حسابات قيادته، خرجوا من جلسة مجلس الوزراء بقدر كبير من الارتياح بعدما طمأنهم الوزير محمد فنيش على حكمة قيادته وفهمها للظروف التي تمر بها البلاد، و«تيار المستقبل» خرج من جلسة الحوار الرابعة مع الحزب، برعاية شريكه الآخر في  «الثنائية الشيعية السياسية»، مرتاحاً وراكناً إلى تطمينات مُحاوريه، بما فهمه من أن الحزب لن يُغامر برَدٍ قد يؤول إلى جرّ إسرائيل لحرب جديدة على لبنان. غير أن تلك التطمينات ذهبت سريعاً أدراج الرياح، وكأن التاريخ يعيد نفسه ثانية بحيث تتكرر وقائع الحوار في 2006 يوم طمأن نصر الله بأن الصيف سيكون هادئاً، فإذا به يُدخل لبنان في أتون حرب تموز التي كانت الأقسى على لبنان.

واذا كان «حزب الله» اختار  مزارع شبعا المحتلة للردّ - حيث المقاومة مشروعة - في عملية محدودة استهدفت  دورية عسكرية لا أهدافاً مدنية أو منشآت حيوية، بما لا يوفر لإسرائيل غطاءً وتعاطفاً دوليين سبق أن وفرته «عملية تموز» لتجاوزها الحدود اللبنانية، وإذا كان ركن في حساباته على أن إسرائيل تعاني وضعاً داخلياً مأزوماً، وسوء علاقات رئيس وزرائها بالرئيس الأميركي، وعدم مجازفته بالذهاب إلى حرب واسعة غير مضمونة النتائج فيما هو على أبواب انتخابات تشريعية تُظهر استطلاعات الرأي احتمالات فوز حزبه فيها، فإن ذلك كله لا يمكن أن ينزع صفة «المغامرة» عن عملية شبعا، إذ أنه لا يمكن الركون في قرار يرتبط بمصير لبنان على مستوى الحرب والسلم إلى  توقعات سياسية لكيفية التعاطي الإسرائيلي مع ما تعتبره تهديدات لكيانها وأمنها، فالتجارب السابقة لا تدل على انتهاجها منطق التعقل.

فرغم التطمينات الدولية على احتواء إسرائيل لعملية شبعا، ورغم الأجواء التي سُرّبت سابقاً عن تفهّم أميركي أعقب عملية القنيطرة من أن لا خيارات أمام إيران سوى الرد ووضع ضوابط لطبيعة ردٍ لا يستوجب حرباً، والضغوط الدولية على نتانياهو لامتصاصه هجوم شبعا ووقف إطلاق النار مع «حزب الله»، فإن مخاوف تعتري القوى السياسية المناهضة للحزب من أن يكون لبنان قد دخل على الجبهة الجنوبية في مسلسل العمليات المتتالية من فعل وردات فعل تؤول إلى الإطاحة بالقرار الدولي 1701 الذي يرعى توفير الأمن على الجبهة الجنوبية، وتالياً إلى انفلات اللعبة والضوابط  وقواعد الاشتباك، خصوصاً إذا شعرت  الطبقة  السياسية الإسرائيلية بضغوط داخلية أو قررت الدخول في «بازار» المزايدات للإفادة منها انتخابياً. والأخطر احتمال النفاذ من الخروقات، إذا ما تكررت، للقيام بحرب واسعة النطاق في حال أيقنت أن مصالحها مهددة في ضوء نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي الايراني.

وليست المخاوف من إسرائيل وحدها، بل تطال «حزب الله» أيضاً. فأداء الحزب يُرسّخ يوماً بعد يوم أن الأطياف السياسية، بما فيها «تيار المستقبل» وما يمثل زعيمه سعد الحريري من ثقل سياسي في الطائفة السنية، والقوى الأخرى - سواء المسيحية أو الدرزية - بات مغلوباً على أمرها، أو على الأقل يُوحي بذلك، فالحزب الذي يُقدّم نفسه قوة إقليمية وذراعاً عسكرية لإيران  قد يذهب بلبنان بمغامرات أخرى  في إطار دعم  المشروع الإقليمي كجزء منه، وإنْ تضاربت في هذا الإطار المصلحة اللبنانية مع مصلحة مشروعه، في وقت تبدو القوى السياسية عاجزة عن توفير الحماية المطلوبة للبنان.

هذا الواقع، الذي أعادت عملية شبعا تظهيره مجدداً، يطرح علامات استفهام كبيرة حول معنى المحاولات الحوارية مع الحزب، ولا سيما الحوار الجاري راهناً بين  التيار وبينه، ذلك أن ثمة اقتناعاً واسعاً بدأ يتكوّن في أوساط  التيار، سياسياً وشعبياً، أن جلّ ما يقوم به هو توفير غطاء  للحزب الماضي في سياسته وأجندته. وليس أدل على ذلك من أن الحوار يستثني الملفات الخلافية الرئيسية، ولا سيما  ملف سلاح حزب الله ومصادرته قرار الحرب والسلم، وملف انخراطه   بالحرب السورية وما تحمله من تداعيات على الأمن اللبناني، حتى أن الحزب يعمل على تأجيل ملف «سرايا المقاومة» من جلسة إلى أخرى، ويرفض أن تشمل الخطة الأمنية  مناطق نفوذه، خصوصاً الضاحية الجنوبية. وما يقدّمه من تنازلات لا يعدو «انتصارات وهمية» للتيار على غرار نزع اليافطات الحزبية بهدف تخفيف الاحتفان المذهبي، وتطبيق الخطة الأمنية في البقاع المقتصرة على ملاحقة عصابات الخطف والسرقة، في مقابل إقدام  وزير التيار نهاد المشنوق، الذي كان يوماً من  صقور «المستقبل» على  تطبيق خطة أمنية  تطال الإسلاميين  في سجن رومية وملاحقتهم تحت شعار الحفاظ على الدولة وهيبتها ومكافحة «الإرهاب المرتبط بالمتطرفين السنّة»، فيما يتم التعايش مع أعمال «حزب الله» التي يصفها فريق واسع من اللبنانيين بـ «الارهابية».

واقع وإن اعترف به «قياديو التيار» إلا أنهم يؤكدون، انطلاقاً من نظرية «الواقعية السياسية»، على استمرارهم في الحوار من أجل تخفيف ما يمكن من الأضرار عن لبنان، في ظل قناعة أن ما يطمح إليه اللبنانيون من تغيير لا يرتبط فقط  بموازين القوى في المشهد الداخلي بقدر ما هو مرتبط  بموازين القوى الإقليمية التي عليها يتوقف مستقبل لبنان، إلا أنهم يقرون بأن مسار الأمور بات يتطلب مراجعة سياسية في كيفية أداء  قيادة «التيار» وانتهاج سياسة أكثر توازناً، وربما تشدداً، في معالجات القضايا المطروحة والاستحقاقات المنتظرة، بما يخفف من استمرار سياسة التنازلات  الراهنة!